[ثمرات التعارف بين الشعوب والقبائل]
ومن نتائج هذا التقسيم إلى شعوب وقبائل: أولاً: صلة الأرحام حتى يكون الناس بينهم قرابات ويتزوج بعضهم من بعض: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:٥٤] جعل بينهم زواجاً ومصاهرةً وأنساباً، فالرجل يخرج منه ابنه، فهذا نسب، والرجل عندما يتزوج يصبح بينه وبين أهل زوجته مصاهرة، فهذه من الفوائد، فعندما يتعلم الإنسان الأنساب، يستطيع أن يعرف أرحامه، فيصلهم، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلم الأنساب في الحديث الصحيح بقوله: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأةٌ في الأثر) حديث صحيح.
الآن لما صارت القضية فيها نسب وشعوب وقبائل، صار تعلم النسب واجباً، أوجب بعض أهل العلم تعلم النسب، لماذا؟ حتى يصل الإنسان رحمه، ويعرف من أبوه، ومن عمه، ومن جده، من هم أقارب الجد؛ والفروع والحواشي والأصول.
الأصول هم: الأب والجد وإن علا، والفروع هم: الابن وابن الابن وإن نزل، والحواشي: العم والعمة والخال والخالة وأولادهم، فيتعلم الإنسان الأصول والفروع والحواشي حتى يصل رحمه، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، والذي يصل رحمه يكون محبوباً في العائلة بخلاف الإنسان الذي لا يصل رحمه، وهذا من النقاط المهمة التي يقع بسببها تقصير كثير من الدعاة إلى الله عز وجل.
قد يقول الإنسان: أنا مشغول، ويترك أقاربه وأرحامه ولا يصلهم، ولا يعرف أخبارهم مع أنهم بقليل من الصلة قد يتأثرون به ما لا يتأثرون من غيره نتيجةً للقرابة الموجودة بينهم وبينه، يذهب ليدعو فلاناً البعيد مع أنه لا يعرف عنه شيئاً، ويترك أقاربه، والله قد قال لنبيه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤] ويترك أقاربه مع أنهم بقليل من الجهد قد يتأثرون منه، ولا يتأثرون من غيره، لأن بينه وبينهم صلة وقرابة ومساهمة وعلاقة، فلا بد من استغلال هذه العلاقة في الدعوة إلى الله عز وجل والتأثير على هؤلاء الأقارب.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (مثراة في المال) ففيها قولان لأهل العلم: أحدهما: أن الله عز وجل ببركة صلة الرحم يبارك لك في مالك ويثريه لك وينميه ويبقيه ويكثره.
القول الثاني: أن الإنسان إذا وصل رحمه، فإنهم قد يوصون إليه ببعض مالهم عند الموت للصلة الحسنة بينهم وبينه، وهم من غير الأقارب الذين حدد الله لهم نصيبهم في الإرث لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
فقد يوصي الإنسان لقريبه البعيد، لأن بينه وبينه علاقة حميدة في صلة، أو شيء من ذلك، فقد تعود عليه المنفعة، لكن الإنسان عموماً إذا وصل رحمه، فلا يكن قصده المال، وإنما رضا الله عز وجل، والقيام بحقوق هؤلاء الأقربين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (منسأة في الأثر) فمعناه يزيد عمره زيادة مكتوبة في اللوح المحفوظ ومقدرة عند الله عز وجل.
توضيح المسألة: الإنسان إذا لم يصل رحمه، فقد يعيش أربعين سنة، فإذا وصل رحمه، عاش ستين سنة، ويكون مقدراً عند الله أن فلاناً إذا لم يصل رحمه فسيكون عمره كذا، فلو وصل رحمه -وكونه سيصل أو لا يصل مكتوب عند الله عز وجل- فسيزاد له في عمره، ولو لم يصل رحمه فسيبقى عمره كذا عند الله عز وجل، فصلة الرحم منسأة في الأثر، أي تطيل العمر.