إذاً: أيها الإخوة! هذه الأحداث وهذه الأشياء التي حدثت في الماضي تنبئ عن أنه بمقدور الإسلام أن ينتشر، وبمقدور المسلمين بإذن الله عز وجل أن يستولوا على ما شاءوا بإذن الله سبحانه وتعالى إذا توافرت عندهم شروط النصر، لقد حدث للمسلمين نصر وهزيمة، ونصر وهزيمة، ونصر وهزيمة، كما مر معنا قبل قليل بدر نصر وأحد هزيمة، ثم نصر متوالٍ، ثم جاء التتار فانهزم المسلمون هزيمة شديدة، ثم ظهر صلاح الدين الأيوبي وحرر أراضي المسلمين من النصارى، ثم حصلت هزائم أخرى متوالية، ثم ظهرت الخلافة العثمانية، ثم نحن نعيش الآن في عصر الهزيمة.
إذاً: يمكن أن يحدث بعد هذه الهزيمة نصر بإذن الله عز وجل، ولله الأمر من قبل ومن بعد، أعداء الإسلام يخططون ويدبرون ولا شك في هذا، وعندهم جيوش جرارة لاشك في هذا، وكل يوم تحصل هزائم وانتصارات، لكن من الذي يدبر حقيقة؟ من الذي وراء الأحداث كلها؟ من الذي فوق كل شيء ذاتاً وصفات، وله علو الذات والصفات والقهر والغلبة؟ إنه الله عز وجل، كل الأشياء التي تحدث الآن في العالم {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم:٤] كلمات تحتوي كل شيء يدور، كل الأشياء التي تدور (لِلَّهِ الْأَمْرُ) -أيها الإخوة- احفظوا هذه الكلمات {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم:٤] من قبل حدوث الأحداث ومن بعد حدوث الأحداث، الأمور بيد الله عز وجل، الله عز وجل يؤتي من يشاء ويمنع من يشاء، هذا مفهوم مهم جداً أن يكون مرتكزاً في نفوسنا، وإلا فليس هناك أمل أن تتحسن الأحوال مطلقاً.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم وارزقنا معرفتك ومعرفة أسمائك وصفاتك وعبادتك بها يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه، اللهم واجعلنا من الذاكرين لك كثيراً، ومن الشاكرين لك نعمك وإحسانك يا رب العالمين! اللهم واجعلنا من جندك وأوليائك وأتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم وارزقنا النصر في العقيدة، اللهم وارزقنا النصر في القوة على أعدائك يا رب العلمين! اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، والبدعة والعناد، اللهم وانشر دين المسلمين في أصقاع الأرض يا رب العالمين! اللهم وهيئ لهذه الأمة أمر رشد تُعز فيه أهل طاعتك، وتُذل فيه أهل معصيتك، اللهم واجعل يوم النصر قريباً يا رب العالمين! وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمركم ربكم بالصلاة عليه، وأجزل العطاء: عشر صلوات لمن صلى عليه مرةً واحدة، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
يا إخواني! إن المسلم وإن كان يعيش الآن في هزيمة، فإنه كما يقول صاحب الظلال رحمة الله تعالى عليه: فإنه ينظر إلى غالبه من علٍ، وإن كنا مغلوبين فإنا ننظر إلى أعدائنا من فوقهم، كيف؟ الله عز وجل في الآية التي قرأناها في انهزام المسلمين في أحد قال قبلها مباشرةً:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا}[آل عمران:١٣٩] نحن مغلوبون؟! نعم.
نحن قد أُهِنَّا؟! نعم.
قد علا الكفار علينا؟! نعم.
يقول الله تعالى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٣٩] لا تهنوا: لا تشعر بالمهانة ولا بالذلة يا أخي المسلم، بل اشعر بالعلو على الكفرة، انظر إلى من غلبك من الأعلى، لماذا؟! لأنك تستعلي عليهم بعقيدتك، العقيدة أغلى شيء تستعلي على الكفرة بالعقيدة، حتى يأتي يومٌ ينصر الله فيه الإسلام، فنحن والحمد لله عندنا هذه العقيدة الصافية النقية التي هي مصدر العز والاستعلاء في الأرض، التي إذا عملنا لها كما أراد الله، فلابد أن ننتصر:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج:٤٠].
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.