كذلك لا بد أن يوقن أصحاب التخصصات غير الشرعية بعِظَم المهمة التي يضطلعون بها، وحجم الثغرة التي يقومون بسدها، وكثافة المسئوليات الملقاة على عواتقهم، وأن المجتمع يحتاج إلى الأطباء المتدينين الملتزمين بالدين، والمهندسين الملتزمين بالدين، والإداريين الملتزمين بالدين، والعسكريين الملتزمين بالدين وهكذا.
فالذي يظن أن الإسلام لا يُخدَم إلا بطلاب العلم الشرعي المتخصصين، فنظرته قاصرة، وفي تفكيره خلل.
فالمسئوليات الدينية كبيرة ينبغي القيام بها، كالتربية، والدعوة، وإنكار المنكر، وسائر فروض الكفايات.
وتنبيه آخر لأصحاب التخصصات الشرعية لا بد من ذكره، وهو: أن الذين يظنون أن الجامعات الشرعية تُخَرِّج طلاب علم أقوياء إذا نجح الطالب في المقرارت فهم أناس مخطئون، فإن كثيراً من هؤلاء الطلاب يذاكرون للشهادة والنجاح، ولا يطلبون العلم حقيقة، وما الكليات الشرعية إلا مفتاح للبدء في الدراسة الجادة، وتأهيلاً للطلب، وليس هي نهاية الطلب، والمتخرج من الكلية الشرعية لم يُنْهِ علوم الشريعة، وإنما لا بد من التركيز والمواصلة، خصوصاً وأن كثيراً من الكليات الشرعية في العالم الإسلامي تعرضت إلى مؤامرات تحجيم وإزالة مقررات، وقد سمعتُ بنفسي مَن أخبرني من الذين درسوا في بعضها أن الجيد بخمسة جنيهات والجيد جداً بعشرة جنيهات! وكذلك فهناك اختلال في توجه أصحاب الطاقات العقلية لا يتناسب مع شرف العلم الشرعي بالمقارنة مع غيره، فبينما تجد كثيراً من النابهين يتجهون لدراسة العلوم الدنيوية، ترى في المقابل كثيراً من أصحاب الطاقات المحدودة والمستويات المنخفضة يتجهون للدراسات الشرعية.
وفي بعض بلدان العالم الإسلامي توضَع المجاميع العالية للطب والهندسة والمجاميع المنخفضة للشريعة والآداب، في خطة تهدف إلى صرف الناس عن دراسة دين الله والإجادة فيه.
ثم إن هؤلاء المتخرجين من الحقول الشرعية هم الذين يتولَّون المناصب الدينية؛ من الإمامة، والخطابة، والتدريس، والقضاء، والإفتاء، فتحدث الكارثة، وتعم المصيبة، وينعكس هذا سلباً بالطبع على تقبل الناس للدين وأهله.
ولا بد بعد هذا من تسجيل حسنة عظيمة في حق بعض المتفوقين الذين آثروا دراسة دين الله، والمواصلة فيه، على دراسة علوم الدنيا، رغم كثرة الإغراءات الدنيوية والضغوط الاجتماعية.
ومِن ثَمَّ فإن مَن آنسَ في نفسه قدرة على طلب العلم الشرعي والحفظ والفطنة، فإن عليه أن يتجه لهذه للدارسة منذ مرحلة مبكرة، فيتجه بعد دراسة الثانوية مباشرة مثلاً للعلم الشرعي والكليات الشرعية؛ لأن كثيراً من الطلاب بعد أن يقطع مشواراً في علم من العلوم الدنيوية يريد أن يغير تخصصه، فيضيِّع على نفسه سنين، ويحصل عنده شيء من عدم الاستقرار، ولذلك فإن هذا التخطيط ينبغي أن يكون من مرحلة مبكرة.