أيها الإخوة! إن الناس ينظرون إلى العالم أول شيء في عمله ماذا يعمل؟ إذا عمله طابق قوله، أخذوا به، حتى لو كانت المسألة لا علاقة لها بالموضوع، جاء أعرابي إلى ابن أبي ذئب وهو من كبار الفقهاء، فسأله عن مسألة الطلاق، فأفتاه أن زوجته طالق، فقال: انظر حسناً، هذا أعرابي عنده جفاء يقول للشيخ: فكر وأعد النظر فيها، قال: نظرت وقد بانت منك، فقال الأعرابي الجاهل:
أتيت ابن أبي ذئب أبتغي الفقه عنده فطلق حتى البت تبت أنامله
أطلق في فتوى ابن ذئب حليلتي وعند ابن ذئب أهله وحلائله
الآن الشيخ زوجته عنده وأنا بدون زوجه، لا يمكن، وهذا من الجهل.
فإذاً الناس ينظرون إلى فعل العالم وإلى طالب العلم ويحتجون به، ولذلك لابد أن يتقن طالب العلم العمل.
تناقش بعض الأشخاص في حكم النوم بعد العصر، واحد قال: يجوز، وواحد قال: لا يجوز، قال واحد: يا أخي أنا عندي الخبر يجوز النوم بعد العصر، بالطبع هو يجوز النوم بعد العصر، لكن انظر الدليل، فقال له صاحبه: ما هو الدليل على أنه يجوز النوم بعد العصر؟ قال: ذهبت إلى الشيخ فلان بعد العصر فوجدته نائماً، مع أن أفعال النبي عليه الصلاة والسلام هي الحجة، لكن الناس هكذا.
وبعض طلبة العلم يقف مع صورة العمل، مع القراءات والأسانيد، ويقف مع الأقوال يجمعها في الفقه والخلاف، ثم ينسى قضية العمل، ولذلك ابن الجوزي وعظ نفسه في هذا، قال لما رآها وقفت مع صورة العلم فقط، قال: صحت بها، فما الذي أفادك العلم؟ أين الخوف والحذر؟ أوما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الكل، ثم قام حتى ورمت قدماه؟ أما كان أبو بكر شجي النشيج كثير البكاء؟ أما كان في خد عمر خطان من الدموع؟ أما كان عثمان يختم القرآن في ركعة؟ أما كان علي يبكي في الليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع، ويقول:[يا دنيا! غري غيري؟].
أما كان سعيد بن المسيب ملازماً للمسجد، فلم تفته صلاة الجماعة أربعين سنة؟ أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر؟ أما قالت بنت الربيع بن خثيم له: مالي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ قال: أن أباك يخاف عذاب البيات؟ أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة، وكان يقول: وا لهفاه! سبقني العابدون وقطع بي؟ أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف؟ أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟ أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك؟ هكذا يجب على الإنسان أن ينظر إلى السلف، ويقارن نفسه.