[نماذج من الاستعانة]
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن من الاستعانة والتعاون ما يكون واجباً، ومنه ما يكون مستحباً، ومنه ما يكون مباحاً، ومنه ما يكون مكروهاً، ومنه ما يكون محرماً.
فمثل الواجب: إعانة المضطر على الطعام والشراب بإعطائه ما يحفظ عليه حياته، وكذلك إنقاذ كل معصومٍ من غرقٍ أو حرقٍ أو نحو ذلك، فإذا كان الإنسان قادراً عليه وجبت الإعانة عليه وجوباً عينياً، وكذلك إعانة الصغير لإنقاذه من مهلكة واجبة، وتجب الإعانة لتخليص المال المحترم -أي: الذي له حرمة في الشريعة- قليلاً كان أم كثيراً، حتى أن الصلاة تقطع لأجل ذلك.
والإعانة في دفع الضرر العام عن المسلمين أو الخاص عن مسلم واجبةٌ أيضاً: (المسلم أخو المسلم)؛ بل إن إعانة البهائم واجبة إذا كانت عند الإنسان، ولذلك دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها ولم تطعمها، بينما دخل الجنة رجلٌ في كلبٍ أعانه على شربٍ في مهلكة وعطش، فسقاه فشكر الله له فغفر له، وقال عليه الصلاة والسلام: (في كل ذات كبدٍ رطبٍ أجر) فهذا إذا كان مستحباً فإن الإعانة مستحبة.
والمباحة تعامل الناس في التجارات وغيرها في الحلال.
والإعانة على المكروه مكروهة؛ كالإعانة على إسراف لا يصل إلى درجة التحريم.
وينبغي الانتباه لعدم الوقوع في الإعانة المحرمة وهي كثيرةٌ جداً في هذا الزمان، فإن عدداً من الناس يعينون على الحرام؛ كتوفير الخمور والإتيان بها، أو الإعانة على الزنا وتسهيل طريقه، أو الدلالة عليه، أو على مكانه، أو على البغي، وكذلك الإعانة على الخصومات المحرمة، وإعانة الظالم مصيبة عظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن الظلمة ذكر أن من صدَّقهم في كذبهم وأعانهم في ظلمهم فليس مني ولست منه.
وكذلك الإعانة على غير الحق أمر مذموم ومحرم؛ ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً كما جاء عند ابن حبان: (مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثلٍ بعيرٍ تردى في بئرٍ فهو ينزع منها بذنبه) فكيف يخرج إذاً من هذه الورطة التي ورط نفسه فيها، بإعانته على الإثم والعدوان وعلى غير الحق، يعين قومه تعصباً لهم، وعدد من الناس يعينون في استيلاء من ليس له حقٌ على أرضٍ، ويعينون في شهادة زورٍ، ويعينون في اعتداء شخصٍ على وظيفة لا يستحقها، ويسهلون دفع الرشاوي، وكل ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، ويدلون على ذلك.
وصور التعاون على المحرم -مع الأسف- في هذا العصر قد كثرت، ولذلك كان لا بد من التنبه لهذه المصيبة العظيمة، حتى صار الناس يدل بعضهم بعضاً على الشر والعياذ بالله؛ في رؤية أماكن معينة، أو قنواتٍ معينة، أو الذهاب إلى أمكنةٍ معينة محرمة.
إنه حرام أن توصله بسيارتك إلى ذلك المكان، أو تدله على العنوان، أو غير ذلك من وسائل الإعانة.
إن المتبصر في الواقع -أيها الإخوة- ليرى أن عدداً من المسلمين قد ضربوا بقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] عرض الحائط! فلا يستجيبون إلى ذلك؛ فيشاركون في الإثم والعدوان يشاركون في الحرام والاعتداء، وبعضهم يقول: أنا لم أفعله ولم أرتكبه، نقول: ولكنك ساعدت غيرك عليه دللته عليه سهلت طريقه إليه، إذاً أنت شريك في الإثم، ولو أن إنساناً أمسك شخصاً لآخر كي يقتله اقتص منهما جميعاً، فإذاً المشارك في الإثم له نصيبٌ منه، وكل بحسبه والله لا يظلم أحداً.
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا ممن يتعاونون على البر والتقوى، ولا تجعلنا ممن يتعاونون على الإثم والعدوان.
اللهم اجعلنا دعاةً إلى سبيلك، مستمسكين بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: ما أعظم النعمة عندما يتعاون عباد الله تعالى على الدعوة إلى الله عندما يتعاونون على هداية شخص، فيكلِّمه هذا بأسلوب، ويأتيه هذا بأسلوبٍ آخر، ويزورانه جميعاً، أو يجعلون له بيئة خيرٍ تجذبه إلى الخير وأهله إنهم شركاء في الأجر العظيم، ما أعظم النعمة على قومٍ تعاونوا على طلب العلم! فهذا يوصل بسيارته، وهذا يدل على مكان الدرس وموعده، وهذا يعطي آخر ما فاته من الدرس إنه تعاونٌ على البر والتقوى، هذه أشكال المعاونة التي نريدها على صعيد التربية والدعوة وطلب العلم وفعل الخيرات عموماً.
إن التعاون بالشفاعة الحسنة -وليست الواسطة المحرمة- والتدخل الحميد؛ لإيصال حقٍ إلى صاحبه، أو إعانته على زواجٍ -مثلاً- يعفُّ به نفسه، فيدله على امرأة صاحبة دين أو بيت صلاحٍ يخطب منه، ويعين المسلمون أخاهم في تجميع المهر، أو يأتي الواحد بشاةٍ أو غيرها يعينونه على الوليمة؛ طوبى لهم وأجرٌ عظيم -إن شاء الله- بهذا التعاون المبارك، فلا بد من إحياء هذه الشعيرة التعاون على البر والتقوى فيما بيننا.
نسأل الله عز وجل أن يحسن خاتمتنا، وأن يتوب علينا، وأن يستر عيوبنا، ويقضي ديوننا، ويشفي مرضنا، ويرحم موتانا، والحمد لله رب العالمين.