لا شك أن الله سبحانه وتعالى قد جعل المرأة سكناً للزوج، وقص سبحانه وتعالى علينا أن من نعمه أنه خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليهن وجعل بيننا وبينهن مودة ورحمة، وأنه {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الأعراف:١٨٩] ولفت النظر إلى أن المرأة والحمل في بطنها قد بدأ وقبل ذلك أن تبتغي بهذا النكاح وجه الله، وإنجاب الأولاد لتربيتهم على الدين، وليست قضية الولد مجرد شهوة دنيوية تعير بها المرأة العاقر التي لا تنجب، ويستهزأ بها من بعض الفاسقات، ولا قضية الولد مجرد أرحام تدفع وأرض تبلع، المسألة أعظم من ذلك.
إن قضية الإنجاب لها ضوابط شرعية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّ على التكاثر، فلا ينبغي معاكسة رغبته صلى الله عليه وسلم بالتكاثر في هذه الأمة عبر استخدام هذه الوسائل من حبوب منع الحمل ونحوه التي تمنع الإنجاب مؤقتاً، أو استخدام الوسائل التي تمنع الإنجاب بالكلية؛ مثل ربط المبايض، وبعض العمليات التي تجرى لإيقاف الولادة، أو إيقاف الحمل بالكلية، وهذا يكون من عدم تقدير النعمة وإعطائها حقها لما أنعم الله بها وشكر النعمة، ولذلك فإن العلماء قالوا مثلاً في موضوع الموانع: على المرأة ألا تتعاطى مانعاً يمنع الحمل بالكلية فهذا حرام، وإذا تعاطت مانعاً فإنها لا تتعاطاه أكثر من سنتين من أجل تحصين مصلحة الولد الأول وإرضاعه، وألا يكون ضاراً بها، وأن تكون الموافقة من الزوجين على ذلك، فالمسألة من أول الإنجاب فيها أحكام شرعية من بداية الحمل قضية الحمل وعدم الحمل فيها أحكام شرعية، ثم إنه صار في بطنها فإنها تسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله من الصالحين سواءً كان صالحاً في بدنه أو صالحاً في دينه فكلاهما مراد، فهي تسأله أن يكون تام الخلقة تام الجسد ليس فيه عاهة ولا تشويه ولا عيب، وكذلك فإنها تسأل ربها أن يكون صالحاً في دينه، فإذا وضعته بعد العناء فإنها تحتسب الأجر والله يعلم كم من السيئات تكفر بسبب الألم الذي تجده الحامل عند وضع الحمل، وهذا أمرٌ لا تفقهه كثير من النساء، ولذلك فإنهن يعمدن إلى التقليل من الأولاد، ويردن ألا يشعرن بالألم، وألا يحصل لهن مشقة، وهذا غير ممكن.
أقول: أيتها النسوة! إن المجيء بالولد والإتيان به لا شك أنه يترتب عليه مسئولية كبيرة، وغرس مبادئ العقيدة في الطفل أمر مهم في غاية الأهمية، وكلما تدرج الولد ينبغي أن تقوم بحقه في التعليم، خصوصاً في غمرة انشغال بعض الآباء وإهمالهم فإنه لا يبقى من صمامات الأمان إلا المرأة التي تراقب وتربي الولد، وكثير من الانحرافات التي حصلت عند الأولاد بسبب إهمال المرأة لهذه التربية، ثم بعد ذلك نحصد ونجني الثمار المرة المترتبة في كثير من الانحرافات.
نقول: إن المرأة ينبغي عليها أن تعلم ماذا تعلم الولد، وماذا يناسب عقله، وأن تتحلى بالصبر وعدم العجلة، وكذلك تغرس في نفس هذا الطفل الأمور الكثيرة المتعلقة بمحبة الله ورسوله ودينه، وهذه الأمور ينبغي أن تركز عليها المرأة في تعليمها لولدها، وتذكيره بالله، أو تعليمه الأذكار، أو تحفيظه القرآن، أو تشجيعه على الصيام، أو تهيئه للنوم المبكر حتى لا يسهر ويستطيع يقوم لصلاة الفجر، وأن يعود على الأذكار الشرعية؛ كآداب النوم وأذكاره، والطعام وأذكاره، وآداب الخلاء وأذكاره، وآداب العطاس وأذكاره، وآداب السلام ونحو ذلك من الأمور، وتقديم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة القصص المبسطة الجذابة من مسئولية الأم التي ينبغي عليها أن تغرسه في نفس طفلها، وأن تعلمه سرعة الاستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف استجاب له علي وهو صبي؟ وكذلك فإن قصص التضحية في سبيل نصرة النبي عليه الصلاة والسلام والدفاع عنه كثيرة، قصي عليه قصة ابني عفراء، وأخبريه بأحداث أنس بن مالك الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي صغير، وأخبريه ببعض مغازيه عليه الصلاة والسلام وجهاده، وكيف لو أنه صلى الله عليه وسلم كان حياً وكان هناك شخص يهجم عليه وكان هناك إنسانٌ مسلم موجود بجانبه لوجب أن يتلقى القتل دونه؛ لأن حمايته صلى الله عليه وسلم وتقديمه على النفس واجب، لو انطلق سهم باتجاه النبي عليه الصلاة والسلام وهناك مسلم بجانبه لوجب عليه أن يتلقى السهم ويقوم يقول: نحري دون نحرك يا رسول الله! أي: تفديته بالنفس واجب.
هذه أمور ينبغي أن تغرس في الأطفال مع مسألة تحفيظهم بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المناسبة لهم.
أيتها المرأة المسلمة! الكلام طويل وليس هذا موضعه، لكن المسألة الآن شحذ الهمم للقيام بهذه المسئولية، لأننا الآن لو نظرنا في هذه المآسي التي ترتبت -كما قلت لك قبل قليل- عن موضوع غياب التربية الإسلامية من قبل الأم والأب كذلك مشارك في طبيعة الحال لوجدنا هذه المسألة مسألة شنيعة جداً، حوادث سرقات الأطفال التي يقومون بها، الاعتداء على البيوت، ومحاولة الاعتداء على الخادمات، وتسلق جدران مدارس البنات، وكتابة الكلام البذيء، وتخريب المرافق العامة، وكتابة الكلمات البذيئة على حمامات المساجد، بل وتخريب بعض المساجد ومكبرات الصوت، وإيذاء المصلين من الخلف، والقيام بالفواحش بأنواعها، بل تصل إلى القتل، والتجسس على النساء، والنظر إلى نساء الجار من خلال الشقوق والنوافذ وشبابيك الحمامات، وغير ذلك من الأمور المأساوية التي تعج بها مجتمعاتنا، وإطالة الشعور والأظفار، بل حتى القذارة في الجسد، وعدم الاكتراث لنظافته هذا نابع من طبيعة بيئته، عندما تعوده على القذارة فيخرج قذراً، ولا تهتم بنظافته يخرج وسخاً، بل وصل الأمر ببعض الأمهات لما عوتبت على القمل في رأس ابنتها أنها قالت: نحن نفتخر به، سبحان الله! كيف تصل الأمور إلى هذه الدرجة، هؤلاء الشباب الآن الذين يشتغلون بالمعاكسة في الهواتف والأسواق، ويغرون بنات المسلمين بالذهاب معهم، وتحدث بعد ذلك الكوارث، بل إنهم يخونون الجار في زوجته وينتهزون فرصة خروجه للدوام والمناوبة ونحو ذلك، هذه الأشياء نتيجة أي شيء؟ فساد البنات الصغيرات لا يتوقع من بنت أن يكون عندها هذا المستوى في الفساد في خامسة أو سادسة ابتدائي والمرحلة المتوسطة أدهى وأمر، التدخين عند الأولاد، كما أن المكياج والسفور عند البنات، والملابس غير المحتشمة ولا الشرعية، هذه نتيجة أي شيء؟! ما يحدث من هذه المآسي، وانتشار الأغاني، والأشرطة الإباحية والخلاعية، وإلقاء الأرقام، وأخذ الأرقام؛ هذه أشياء كلها نتيجة لأمر واحد وهو: إهمال الأولاد، والله سبحانه وتعالى يحاسب:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فأنت ستقفين أمام الله سبحانه وتعالى لكي يحاسبك عما قدمت وعما اقترفت يداك، ويحاسب سبحانه وتعالى عن التقصير والإهمال، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته، ويسأل المرأة عن بيت زوجها.
وكثير من العقد النفسية عن الأطفال نتيجة فقدان الحنان، المفروض أن يكون من المرأة كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم (صالح نساء قريش أحناهن على ولد في صغره).
وكذلك هي تحافظ على مال زوجها وهو عندها، كما أنها تحفظ فرجها في غياب زوجها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.