وقال: أريد أن أكون في شعب ب مكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحاً ومساء.
انظر الإمام أحمد يقول: بليت بالشهرة على أساس، والآن بعض الناس ابتلوا بالشهرة على غير أساس، فعلاً، الآن بعض الناس تسلط عليهم الأضواء، وقد يفتون في الصحف وفي الجرائد وفي المجلات، تطلع أصواتهم أنهم على شيء من الدين، وأنهم من أهل الفتوى، ويتصدرون ولكن على غير أساس، فهذا الإمام أحمد يقول: ابتلينا بالشهرة، ويعتبر أن هذا ابتلاء من الله، وهو الرجل الذي يستحق أن يشتهر، فكيف ببعض الناس اليوم الذين ابتلوا بالشهرة على غير أساس.
والشهرة مشكلة؛ لأنها تعدم الإخلاص إعداماً، فإنك: عندما ترى الناس يسيرون بذكر فلان وقصة فلان، وبعضهم يؤلفون القصص لرفعه، فيقولون مثلاً: فلان يحفظ كذا وكذا، فلان تتلمذ على يد فلان وفلان من العلماء، هو إذا سمع بذلك قد يسر ولا ينفي مع أن هذا كذب ويشتهر، ولكن هؤلاء سرعان ما يأفل نجمهم سريعاً، ولكن لا يبقى على مر العصور وعلى مر الأزمان إلا الناس الذين اشتهروا فعلاً على أساس من تقوى الله ورضوانه.
الواحد قد يضيق ذرعاً ببعض الأسماء اللامعة في الأفق وهي على غير شيء، ويقول: إنهم يذكرون صباحاً ومساء، ولكن يا أخي تخيل بعد مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة كيف يكون؟ اقرأ التاريخ، بعض الناس في وقت من الأوقات كانوا مشهورين جداً لكن بعد ذلك طوى الدهر صفحاتهم بعض الناس تقال لهم عبارات المديح ويسكتون وهم لا يستحقونها، الإمام يقال له عبارات الثناء وهو يستحق أكثر منها وكان لا يسكت، يقتدي به الإنسان، فيعرف إذا أثني عليه ماذا يقول، وكيف يكون موقفه، بل إن الواحد ليستحقر نفسه وهو لم يبلغ مبلغ شيء في الدين ويثنى عليه، ومن هو بجانب الإمام أحمد؟ وهذه فائدة تربوية مهمة، فمن أخطر الأشياء أن تثني على شخص في وجهه، حتى لو كان رجل دين تقياً وورعاً، إذا أثنيت عليه في وجهه فكأنك قطعت عنقه، ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدح في الوجه، وقد تفسد نيته وإخلاصه بمدحك له، ولذلك يا أخي وفر مدحك قليلاً، وفر الثناء قليلاً، اثن عليه إذا كان من أهل الخير لكن ليس في وجهه، وكثير من الناس وصلوا إلى الغرور ووقعوا في الهاوية، لأنه يثنى عليه في وجهه، فيصيبه الغرور ويدخله الكبر، ويقول: أنا أذكر، وأنا شأني مشهور، وأنا يعرفني فلان وفلان، وأنا كلماتي وصلت إلى تلك الأنحاء، فلذلك احذر من الثناء على واحد في وجهه.
وقال الخلال: أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي قال: مسحت يدي على أحمد بن حنبل وهو ينظر فغضب وجعل ينفض يده ويقول: عمن أخذتم هذا؟ أي: ممن تعلمتم هذه التصرفات؟ وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله ذكر أخلاق الورعين، فقال: نسأل الله ألا يمقتنا أين نحن من هؤلاء؟! والإمام أحمد من أورعهم.
وقال المروذي: أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله، وكان رجلاً صالحاً، فقال: إن أمي رأت لك مناماً وهو كذا وكذا وذكرت الجنة.
يقول: أمي رأت لك مناماً يا أحمد في أشياء وذكرت الجنة، فقال: يا أخي إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا فخرج إلى سفك الدماء، كان الناس يخبرونه بمثل هذا فصار أمره إلى أن سفك الدماء.