[التذرع باختلاف المفتين]
وبعض الناس يعتذرون عن عدم الالتزام بالحكم الشرعي بتضارب الفتاوى واختلاف المفتين، ويقولون: لكن فلاناً يقول: هي حلال، لقد احترنا، نسمع من هنا أنه حرام، ومن هنا أنه حلال، ونحن في سعة ما دام هناك من يقول بالإباحة.
نعم.
إذا كان إبليس يقول بالإباحة؛ فهناك دائماً من يقول بالإباحة في أي محرم، وهناك من هو متساهل ومفرط، وهناك من يفتي بشبهة في الفتوى، يقول: نوسع على الناس ليدخلوا في الدين، وما هو إلا إدخالهم من باب وإخراجهم من الباب الآخر، هذا معنى التساهل في الفتوى، هؤلاء يحملون أوزارهم يوم القيامة كاملة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم: {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:٣١] {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:١٣] أي: يفترون على الله عز وجل.
والإنسان إذا عرف شخصاً أنه مفرط ومتساهل في الفتوى فبأي حجة عند الله يتبعه.
ثم أليس لك عقل؟ أليس عندك ميزان؟ ألا يوجد تفكير في الأمور؟ عندما يأتي مثلاً من يحلل الربا، ويقول: هو حلال، وأنت تعلم لو فكرت بعقلك أن هذا المال الذي تضعه عند المرابي، لو كان مجرد وديعة وأمانة هل يجوز التصرف فيها؟ هل يجوز للمرابي الذي يأخذ المال الذي عنده أو يتصرف في الوديعة والأمانة، هو يتصرف ويستثمر فيها ويعمل إذاً فهو قرض، وليس أمانة ولا وديعة، وكلامه هذا كذب وحيلة واحتيال، والمال إنما هو قرض بدليل أن الأمانة لا يجوز التصرف فيها، وهذا يتصرف في المال.
ثم الوديعة لو تلفت بغير تفريط من المستأمن فإنه لا يضمن في الشريعة، ويقول: احترقت مع بيتي، لكن هذا المرابي يضمن المال لو سرق ولو احترق مكانه؛ لأنه أخذه قرضاً لا وديعة، فأنت تعلم أنه قرض، ثم تأخذ عليه زيادة فماذا يكون؟ لا يكون إلا ربا.
فلو جاء مائة وألف من المفتين وأصحاب العمائم، وأقسموا بالله جهد أيمانهم، وأنهم يتحملون المسئولية أمام الله عن هذه الفتوى وقالوا: إنه حلال، فماذا تفعل وقد عرفت الحكم؟ لو جاء من هؤلاء الأئمة المضلين من قال: إن الغناء مباح، والموسيقى إذا كانت ليست بصاخبة وكانت هادئة فهي حلال، وأنت تعلم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح الذي سمعته مراراً وتكراراً عن أناس أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يستحلون -أي: يأخذون الحرام فيجعلونه حلالاً- الحر يعني: الزنا، والحرير: المحرم على الرجال، والمعازف، وما هي المعازف؟ أليست الأورج والبيانو، والقانون والكمنجا، والعود والطبل، أليست هي المعازف؟ فلماذا نلف وندور؟ أليس الشارع قد حرمها بالكلية، وما استثنى منها إلا الدف فقط للنساء في الأعراس والأعياد؟ ثم ألم تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (صوتان ملعونان: وذكر منهما مزمار عند نعمة) والملعون هل يكون مكروهاً أو مباحاً؟ الملعون لا يكون إلا محرماً، فهل تقول بعد ذلك إن المزمار مباح؟ وعندما يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الكوبة) والكوبة هي: الطبل، فعندما نعلم يقيناً أيها الإخوة الحكم الشرعي والأدلة فهل بعد ذلك إذا قال فلان وفلان من الناس؛ مهما كان ارتفاع عمامته؛ وطول لحيته، وشهرته؛ إذا قال إنها مباحة فهل نسمع له ونطيع؟ وهل نقول: إن المسألة فيها اختلاف، وإنه يسعنا أن نأخذ بما نريد من أقوال المفتين وكلٌ على خير؟ ما هذا اللعب؟! {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:١٣ - ١٤] هذا دين ليس بلعب.
ولذلك أيها الإخوة! لو تعارض عندك أقوال المفتين، فإذا علمت بالدليل الصحيح والحكم الشرعي فلا يسعك أن تتركه ولا أن تخالفه إلى قول أحد كائناً من كان، لأنك تطيع الله ورسوله؛ لا فلان وفلان، فإذا جاء الحكم عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، لابد أن نقبل به ولو قال من قال بذلك، قد يكون مجرماً منافقاً مضلاً، وقد يكون مسكيناً فمن قلة عمله والشبهة التي عنده قال بذلك.
أيها الإخوة! إن التذرع باختلاف المفتين في أن ننتقي ما نريد بأهوائنا مدخل شيطاني، لكن عندما تسمع أقوالاً ولا تعرف أدلة ولا تعرف حكم الله ورسوله، وليس عندك حجة ولا بينة، ماذا تفعل؟ تقلد الأعلم، هذا هو المطلوب منك كعامي من عامة الناس أن تقلد الأعلم، إذا لم تكن طالب علم تحسن البحث وتنظر في الأدلة فتقلد الأعلم من العلماء، وقلنا تقلد الأعلم ولم نقل تقلد الأشهر، لأن هذه مصيبة في هذا العصر، أن الناس يقلدون المشهور بسبب شهرته ولا يقلدون الأعلم، وهذه فضيحة جديدة في عالم الإفتاء؛ أن يتجه الناس إلى الأشهر وليس إلى الأعلم، فكم من مشهور أقل علماً ممن هو أقل منه شهرةً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الهوى والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إذا أردت فتنةً بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل كلمة الدين، وأقم لواء الجهاد في الأرض يا رب العالمين، اللهم اقمع أهل البدعة والمشركين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كوسوفا وكشمير وفلسطين، اللهم أنقذ المسلمين من الفيضانات في السودان وبنجلادش إنك على كل شيء قدير، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وإنهم عراة فاكسهم، وجياع فأطعمهم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.