ومن كرمه رحمه الله ما حدّث به تلميذه الخطيب التبريزي قال: دخلتُ دمشق فكنتُ أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة له، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إليّ وقال: أحببت -الشيخ يقول للتلميذ- أن أزورك في بيتك، فتحدثنا ساعةً، ثم أخرج ورقةً، وقال: الهدية مستحبة، اشتر بهذه أقلاماً، ثم نهض فإذا خمسة دنانير مصرية، ثم إنه صعد مرةً أخرى، ووضع نحواً من ذلك، فهذا من إكرامه لتلاميذه رحمهم الله تعالى.
وكان من مميزات الخطيب أنه كان جيد الخط، وتجد أن بعض المخطوطات التي كتبها بعض العلماء قد أتعبت من بعدهم في فك رموزها من سوء خطهم، ولعل بعضهم لم يكن عنده وقت للتدرب على تحسين الخط من ولعهم بالعلم والرحلات، لكن الخطيب رحمه الله من ميزاته أنه كان حسن الخط، كثير الضبط، كثير الشكل، وهو الذي عنون عنواناً في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، باب تحسين الخط وتجويده، نصح فيه طلبة العلم بتحسين الخط.
ومن ضمن تلك النصائح: أن الواحد لا يقرنط فيتعب ويتعب من بعده، يقرنط: أي يصغر الخط؛ لأنه إذا كبر وصار بصره ضعيفاً لم يعد يقرأ ما كتب في أيام الشباب، ولو مات وأراد واحد أن ينتفع بما كتبَ فسيتعب جداً في فك هذه الرموز، وكذلك فإنه كان فصيحاً للغاية، كان يقرأ قراءةً معربةً صحيحةً.
قال ابن الجوزي: كان حسن القراءة، فصيح اللهجة، وكان جهوري الصوت، وكان عجيباً في سرعة القراءة، ضرب به المثل في ذلك، وكان حريصاً على الاستفادة من وقته، كان يمشي في الطريق وفي يده جزءٌ يطالعه، يضرب به المثل في سرعة القراءة، وكان عليه هيبة ووقارٌ من عمله بالعلم الذي اكتسبه رحمه الله تعالى، وقد أثنى عليه العلماء ومدحوه للغاية، مثل تلميذه الحافظ ابن ماكولا، والحافظ أبو بكر ابن نقطة الحنبلي وأبو سعد السمعاني وابن عساكر وابن خلكان وابن النجار والسبكي والسِلَفِي وأبو إسحاق الشيرازي، والتاجي، وابن الأثير، والذهبي وغيرهم.
يقول الذهبي رحمه الله:"ختم به إتقان هذا الشأن".
وقال صاحب وفيات الأعيان:"سنة كذا مات حافظ الدنيا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب صاحب التصانيف".