كذلك من الأدب مع العالم، الالتفاف إليه، والانتباه له أثناء إلقاء الدرس، وعدم التشاغل بشيء وهو يتكلم، وعدم إظهار -وهذا من دقيق الأدب- الإنسان أنه يعلم ما يقول الشيخ فلا يكترث، إذا كان يعلم ذلك، يقول عطاء: إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه، فأريه من نفسي أني لا أحسن منه شيئاً، وعنه قال: إن الشاب ليتحدث بحديث فأسمع له كأني لم أسمعه من قبل، ولقد سمعته قبل أن يولد.
ونقل مثل هذا عن الشافعي رحمه الله تعالى، كان لا يظهر عليه أنه يعرف الأشياء، لذلك من الخطأ أن تجد بعض طلبة العلم في الحلقات يظهر أنه متشاغل وأن هذا كلام معاد ومكرر، فلا يصغي وينشغل ويظهر أنه يعلم الأشياء التي تقال، وبالتدبر قد يظهر للإنسان في الشيء المعاد أشياء لم تظهر له من قبل.
كتاب الرسالة للشافعي، قال بعض العلماء: قرأتها قرابة خمسمائة مرة، ما قرأتها مرة إلا وظهر لي فيها أشياء جديدة، هناك ملاحظة: هذا الكلام أيها الإخوة في توقير العلماء وفي الأخذ عنهم كذا إلى آخر ما ذكرناه -وهذا في حدود الشرع- فلو أتى العالم بما يخالف الشرع أو لم يأتِ على كلامه بدليل، أو وجد من كلام العلماء الآخرين ما هو أقوى منه، يترك ويؤخذ بالكلام الأقوى والكلام الذي يوافق الدليل.
كذلك هنا نقطة جديرة بالتنبيه أن بعض الناس قد يتكلمون على توقير العلماء والأخذ منهم وو إلى آخره، لكن مدار كلامهم إذا أردت أن تعرف نهاية الكلام ماذا يقصد هذا، تجد أنه يقصد أمراً عجيباً، يقصد التعصب للعلماء، أي: أن التوقير والاحترام للعالم أي التعصب له وعدم الخروج عن رأيه، ونبذ الدليل، وهذا كلام فارغ، واحترام العلماء فيما أتوا به إلينا من الكتاب والسنة، إذا خالفوا أو ببدع أو أتوا بأخطاء فنحن نتبع الحق، فمن كلام علي:[الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال] أي: الحجة للحق على الرجال وليس الحجة للرجال على الحق.