عندما نقرأ التاريخ الإسلامي أيضاً نجد الموقف الصحيح لصاحب المنصب، يوجد بعض الناس استغلوا مناصبهم في السوء، ولكن بعض الناس استغلوا مناصبهم في الأشياء التي هي من الطاعات، فاستغلوا المناصب في نشر العلم، واستغلوا المناصب في بناء المدارس، وفي وضع رواتب للعلماء وأهل الخير وعمل الأوقاف عليها استغلوا المناصب في قمع أهل البدع وإظهار السنة وهكذا، وهذا تتبعه مهم حتى يتبين لأهل المناصب في زماننا ما يجب أن يكونوا عليه.
فهذا مثلاً نظام الملك الوزير الحسن بن علي بن إسحاق رحمه الله تعالى: مع أنه كان وزيراً فإنه نشأ في طلب العلم، فلما أصبح وزيراً استعمل إمكانياته المادية والمعنوية ووجاهته في نشر العلم، وبنى المدرسة النظامية بـ بغداد، وسميت النظامية نسبة إليه؛ لأنه يعرف بـ نظام الملك، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والعلماء، وكان يقضي غالب نهاره معهم، وهكذا ينبغي أن يكون حال أهل المناصب اليوم، يقربون الصالحين، ويباعدون الطالحين.
وكان إذا سئل وقيل له: إن هؤلاء يشغلونك؟ قال: هؤلاء جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستهم على رأسي ما استكثرت ذلك، وإذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني قام لهما وأجلسهما في المقعد، وإذا دخل عليه أبو علي الفرندي قام وأجلسه مكانه وجلس بين يديه، هذا الوزير يجلس بين يدي الشيخ، فعوتب، فقال: إنه إذا دخل علي ذكرني عيوبي وظلمي، فأنكسر وأرجع عن كثيرٍ من الذي أنا فيه.
وكان محافظاً على الصلوات في أوقاتها لا يشغله بعد الأذان شغلٌ عنها.
تأمل الآن في حال أصحاب المناصب والوظائف، يجلسون في اجتماعات العمل والمؤذن يؤذن والناس يذهبون للصلاة وهم جالسون في اجتماعات العمل، وربما يخرج وقت الصلاة وهم لا يزالون في اجتماعات العمل، فتباً لهذه الاجتماعات، ولا بارك الله فيها ما دامت تشغل عن الصلاة، فلينتبه أهل المناصب من المسلمين لذلك.