نحن نراعي الأحوال والمواقف، قد يكون الشخص أمامك دقائق فقط، وبعد ذلك سيغادرك ويترك، فعند ذلك تقول: اتق الله ولا تفعل كذا، وتكون عبارة مجملة، فيها تذكير بتقوى الله وتبيين الحكم الشرعي، لأنه لا وقت عندك للتدرج، تراعي الحال، ولكن تبدأ بهذا الأمر: اتق الله ولا تفعل كذا، راقب الله وهذا حرام، تذكر ربك وتذكر الآخرة، ثم تقول: وهذا الذي تفعله يجب أن تنتهي عنه، وهكذا.
ومن الحكمة: ما عنون عليه البخاري رحمه الله في صحيحه في عنوان يدل على فقه عظيم: جواز النهي عن المستحبات إذا كان ذلك يفضي إلى السآمة والملل.
والحديث المأخوذ منه هذا الاستنباط حديث عظيم جداً، حديث تربوي، ينبغي أن يقبل عليه المشتغلون بالتربية فيفهموا هذا، قصة سلمان مع أبي الدرداء.
أبو الدرداء كان رجل مقبل على العبادة جداً، حتى إنه ما كان يعطي زوجته حقها، حتى اشتكت، فـ سلمان أراد أن يقوم بدور تربوي مهم مع أبي الدرداء، فزاره فصنع أبو الدرداء له طعاماً فلما قدم له الطعام، قال له سلمان: كل معي، قال: إني صائم، قال: لا أذوق طعامك حتى تأكل، فأكل معه، ثم جاء وقت النوم فذهب سلمان لينام وذهب أبو الدرداء ليقوم الليل، فقال سلمان: تعال فنم، فنام أبو الدرداء، ثم ذهب ليقوم، فقال سلمان: نم، فنام أبو الدرداء، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا، ثم علمه: إن لربك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه.
فهذه المعايشة التربوية هي التي تؤدي إلى تصحيح الأوضاع، وأما الكلام النظري من بعيد فإنه لا يساهم تلك المساهمة الكبيرة، ولذلك لو رأى الداعية المدعو قد نشط في أعمال نوافل جداً وخشي عليه أن يكون هذا الحماس الآن غير متزن، أو أنه سينقطع به الحبل بعد قليل، فعليه أن يذكره بالاقتصاد في النوافل حتى يتعود عليها، وحتى يشتد عوده، حتى لا تكون هذه طفرة، ثم بعد ذلك يقع وينهار، وليفعل مثلما فعل سلمان مع أبي الدرداء رضي الله عنهما.