[شرح حديث علي وفاطمة]
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- في سلسلة الرقائق، وهو حديث علي رضي الله عنه: (أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فلم تجده فذكرت ذلك لـ عائشة فلما جاء أخبرته قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال: مكانك، فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكم على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين فهذا خير لكما من خادم).
وهذا الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كتابه الصحيح أو في أربعة.
والقصة يقول فيها علي رضي الله عنه: إن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى، والرحى: هو آلة الطحن التي كان يطحن بها، وأرته أثراً في يدها من الرحى، واشتكت فاطمة رضي الله عنها مجل يدها، والمجل: هو التقطيع الذي يحصل لليد نتيجة العمل، وهو غلظ اليد الذي يحدث عند مباشرة الأعمال، فكل من عمل عملاً بكفه تجد فيه تقطيعاً إذا كان يمارس العمل بكفه دائماً، فيقول علي رضي الله عنه -وهو الزوج المشفق على زوجته ولاشك أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف من ينتقي لابنته- يقول علي رضي الله عنه، قلت لـ فاطمة: لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته خادماً فقد أجهدك الطحن والعمل، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة، قال علي لـ فاطمة ذات يوم: [والله لقد سنوت حتى اشتكيت ظهري، فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي] ومعنى سنوت: يعني: عملت مكان السانية، والسانية: هي الناقة التي تسحب الماء من البرك فيقول علي رضي الله عنه: من الحاجة عملت عمل الناقة في سحب المياه من الآبار بالدلاء لأجل الأجرة، فقالت فاطمة: [وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي] فهذه فاطمة رضي الله عنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها كما جاء في رواية أبي داود لهذا الحديث.
وفي رواية: وخبزت حتى تغير وجهها؛ لأن الخباز مع لفح نار الفرن يتغير لون وجهه كل ذلك حصل لـ فاطمة رضي الله عنها، فاقترح عليها علي رضي الله عنه أن تذهب إلى أبيها تطلب خادماً، حيث إن علياً لم يستطع أن يوفر لها خادماً، وسمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه سبي فاقترح عليها أن تطلب جارية تخدمها من أبيها من هذا السبي الذي جاء، فقال لها: [لقد جاء أباك سبي فاذهبي إليه فاستخدميه -الألف والسين والتاء تجيب الطلب- أطلبي خادماً وجارية تخدمكِ، فذهبت فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها محمد صلى الله عليه وسلم فلم تجده، ووجدت جماعة يتحدثون فاستحيت ورجعت] وفي رواية: (فذكرت ذلك لـ عائشة فلما جاء أخبرته عائشة أن ابنتك فاطمة جاءت تسأل عنك).
وفي رواية مسلم: (حتى أتت منزل النبي صلى الله عليه وسلم فلم توافقه فذكرت ذلك له أم سلمة بعد أن رجعت فاطمة) فهذا معناه أن فاطمة رضي الله عنها ذهبت تبحث عنه في بيتين، ذهبت إلى حجرة عائشة وذهبت إلى أم سلمة تبحث عن أبيها لتسأله خادماً، وجاء في رواية: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما جاء بك يا بنية؟ فقالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت) يقول علي رضي الله عنه: [ما فعلت؟ قالت: استحييت] ما استطعت أن أطلب، فلعلها رضي الله عنها ذهبت أولاً للبحث عن أبيها فلم تجده، ثم جاءت مرة ثانية فوجدته لكن استحيت أن تطلب، ثم بعد ذلك تشجعت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته الخادم، فقال: (ألا أخبرك ما هو خير لك؟) وفي رواية: قال علي رضي الله عنه لزوجته: (أن تنطلق معه فانطلقت معه فسألاه فقال: ألا أدلكما) وجاء في هذا الحديث الذي قرأناه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي جاءهما وقد أخذا مضجعهما فقال علي: (بأبي يا رسول الله! والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى مجلت يداي -وقد جاءك الله بسبي وسعة فأعطنا خادماً من هذه السبي- فقال عليه الصلاة والسلام: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم) يقول: كيف أعطيك وهذا السبي الذي جاءنا نبيعه ونأخذ ثمنه وننفقه على أهل الصفة الفقراء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أهل الصفة ليس عندهم أهل ولا مال ولا بيوت، وإنما كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يلازمونه على شبع بطونهم.
وجاء في رواية قال: (فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً خرجت منا جنوبنا وإذا لبسناها عرضاً خرجت منها رءوسنا وأقدامنا، ولما دخل عليه الصلاة والسلام قالت: فذهبت أقوم -وفي رواية: فذهبنا نقوم- فقال صلى الله عليه وسلم: مكانك أو مكانكما -أي: الزما مكانكما لا تقوما- فجلس بيننا صلى الله عليه وسلم فقال: إني أخبرت أنك جئت تطلبين، فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادماً يكفيني العجن والخبز، فإنه قد شق علي، قال: فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه؟ قال علي: فغمزتها، فقلت: قولي ما هو خير منه أحب إلي، فقالت ذلك، فقال: فإذا كنتما على مثل حالكم اليوم الذي أنتما عليه ثم ذكر التسبيح) وفي رواية: (أنه لما دخل عليها أدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها) ويحمل هذا أنها فعلت ذلك أولاً فلما تآنست به رفعت وجهها إليه وكلمته.
وفي بعض الروايات: قال: (ما كان حاجتك أمس؟ فسكتت، مرتين، فقال علي: أنا والله أحدثك يا رسول الله! فذكرته له) فهذا يحمل على أنه سأل فاستحيت أولاً فكلمه علي ثم لما زال الخجل تكلمت هي وأنشطها للكلام زوجها فتكلمت وطلبت.
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم أتاهما فقال: (ما الذي أتى بكما، قال علي: شق علينا العمل، فقال: ألا أدلكما) وذكر الحديث، وفي رواية: قال: (ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت أسلم عليك واستحيت حتى إذا كانت القابلة، قال: ائت أباكِ وذكر مثلها، حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي رضي الله عنه: امشي فخرجا معاً).
فهذه الأحاديث وهذه الروايات تدل على أنه ربما حصل ذلك بإتيانهما ثم بإتيانه إليهما، المهم أنه عليه الصلاة والسلام، قال: (ألا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم -خير مما سألتماني-؟ قالا: بلى.
فقال: كلمات علمنيهن جبريل، إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما من الليل تسبحان) فذكر لهما التسبيح ثلاثاً وثلاثين والتحميد ثلاثاً وثلاثين والتكبير أربعاً وثلاثين، قال: (فتلك مائة باللسان وألف في الميزان) أي أن الأجر عند الله الحسنة بعشرة أمثالها، وفي رواية: (فأمرنا عند منامنا بثلاثٍ وثلاثين وثلاثٍ وثلاثين وأربعٍ وثلاثين من تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبير) سبحان الله ثلاثاً وثلاثين قبل النوم، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة يقول ذلك.