الحديث الذي سيكون مدار النقاش في هذه الليلة يتعلق بقصص الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي: قصة حصلت للصديق رضي الله تعالى عنه، كرامة من كرامات الصديق، وآية من الآيات الدالة على فضل الصديق وعلو منزلته عند الله سبحانه وتعالى، هذه القصة رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة:(من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال).
وأن أبا بكر جاء بثلاثة:(وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة وأبو بكر بثلاثة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال: امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله، فقالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أوعشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم، قال فذهبت -يقول عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - فذهبت فاختبأت، فقال: يا غنثر! فجدَّع وسب وقال: كلوا.
وقال: لا أطعمه أبدا).
قال:(وايم الله ما كنا نأخذ من اللقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر فإذا به كما هو أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس! قالت: لا وقرت عيني لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر، وقال: إنما كان الشيطان -أي: يمينه الذي حلف- ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل ففرقناها لاثني عشر رجلاً، مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل، غير أنه بعث معهم، قال: فأكلوا منها أجمعون) أو كما قال.
هذا الحديث وإن كان قد يبدو في بعض ألفاظه شيء من الصعوبة، لكنه حديث- كما تقدم- يدل على الآيات التي كانت تحدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الأمور الخارقة للعادات، كانت تعد بركة، فشِبع الخلق الكثير بالطعام القليل وهذه آية من الآيات، وقد حدث ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم مراراً، ولكن هذه القصة حدثت للصديق رضي الله عنه وهي كرامة من كراماته.