[استنباطات ابن القيم من قوله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل.]
ولما أتى رحمه الله مثلاً إلى قول الله عز وجل:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة:٢٦٦] هذا المثل ضربه الله للمرائين يوم القيامة، قال تعالى:{جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}[البقرة:٢٦٦] هذا المثل لأناس لهم أعمال جاءوا يوم القيامة محتاجين إليها جداً، فوجدوها هباءً منثوراً {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}[البقرة:٢٦٦] فيقول ابن القيم رحمه الله: {جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}[البقرة:٢٦٦] ذكر الله في هذه الآية أشرف أنواع الثمار وأكثرها نفعاً، فإن منهما القوت والغذاء، والدواء والشراب، والفاكهة والحلو والحامض، ويؤكلان رطباً ويابساً.
ثم يقول: وهذه الجنة- أي: البستان- فيها أنهار تجري، وهذا أكمل وأعظم، وهل فقط فيها نخيل وأعناب؟ لا، بل فيها من كل الثمرات.
ثم يقول: -وهذا الرجل أصاب جنته إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، وقبل أن تحترق قد كبر سنه- يقول ابن القيم رحمه الله: انظر مدى تعلق قلب الرجل بهذا البستان، لو كان عنده جنة، أو بستان ليس فيه نبات ولا زرع فإنه لا يحزن عليه؛ فإذاً قلبه متعلق -أولاً- بالبستان؛ لنفاسة ما في البستان من النخيل والأعناب وأنواع الثمرات، وفيه أنهار تجري، وهذا الرجل قد أصابه الكبر.
يقول ابن القيم رحمه الله: إذا كبر ابن آدم، اشتد حرصه، لأن ابن آدم يشيب ويشب معه اثنتان: الحرص وطول الأمل.
يقول: أصابه الكبر، فالآية تعبر عن معانٍ قد لا نفقهها إذا قرأناها لأول مرة، لكن عندما يأتي مثل: ابن القيم رحمه الله يبين لنا، يقول: تعلق أول شيء قلبه بسبب نفاسة البستان، وبسبب أنه كبر سنه، فعجز عن الكسب والتجارة، واشتد حرصه بطبيعة كبر السن، وثالثاً: له ذرية ضعفاء، فهو حريص أن يبقى هذا البستان للذرية، وهؤلاء الذرية ليسوا أقوياء، لكنهم ضعفاء يحتاجون إلى من يكد عليهم، ورابعاً: أن نفقته عليهم- أي: هو أبوهم- فإذا تصورت هذه الحادثة من تعلقه بالبستان أشد ما يكون، وهو في هذا التعلق أصابه إعصار فيه نار فاحترقت، كيف يكون وضع الرجل؟ هذا مثل المرائين يوم القيامة يأتون بأعمال أمام النار، الواحد يحتاج لكل عمل، وعندهم أعمال، ولكن شبَّه حال احتياجهم للأعمال يوم القيامة بحال هذا الشيخ الكبير في السن، وأصاب أعمالهم إعصار الرياء فأحرقها، وأفلسوا وهم في أشد الحاجة، وفي وقت عصيب أشد ما تكون الحاجة إلى هذه الأعمال.