[حكم نكاح الشغار في الإسلام]
ومن الأنكحة التي حرمتها الشريعة: ما يكون لوجود شرط فاسد في النكاح، ومن ذلك نكاح الشغار، ونكاح الشغار سمي من الشغور وهو: الخلو من العوض، وقيل: إنما سمي نكاح الشغار شغاراً من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، بهذه الهيئة القبيحة شبهه النبي صلى الله عليه وسلم تنفيراً منه، وحتى يبتعد الناس عنه، لأنه تجعل فيه المرأة بدل المرأة، وقد أجمع العلماء على تحريمه، وأنه باطل، ويفرق بينهما إذا حصل هذا النكاح، سواء صرحوا بنفي المهر أو سكتوا عن ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وجاء في الحديث: (والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق) متفق عليه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وفصل الخطاب أن الله حرم نكاح الشغار، لأن الولي يجب عليه أن يزوج موليته إذا خطبها كفء، ونظره لها نظر مصلحة لا نظر شهوة، والصداق حق لها لا له، وليس للولي ولا للأب أن يزوجها إلا لمصلحتها، فإذا زوجها لمصلحته غير مراعٍ مصلحتها فهو فاسق، خائن للأمانة ".
وبعض الناس يزوجون بناتهم لمصالحهم الشخصية، ولا يكون في النكاح مصلحة للبنت، وبعض الناس يحبسون بناتهم عن الزواج، لأنه يريد أن ينتفع بمرتبها، لأنها موظفة، وكلاهما من الظلمة الذين سيحاسبهم الله يوم القيامة، قال شيخ الإسلام: "وليس له أن يزوجها لغرضه لا مصلحتها، وبمثل هذا تسقط ولايته، ومتى كان غرضه أن يعاوض فرجها بفرج الأخرى فهو نكاح الشغار".
لم ينظر في مصلحتها، وصار كمن زوجها على مال له لا لها، وكلاهما لا يجوز، وعلى هذا لو سمى صداقاً حيلة -هو يريد بنت الرجل الآخر، أو أخت الرجل الآخر، فأعطاه ابنته أو أخته من أجل تلك المرأة، وسمى مهراً تغطية لنكاح الشغار- لم يجز ذلك كما نص عليه أحمد رحمه الله، لأن مقصوده أن يتزوج المرأة الأخرى ويزوج ابنته أو أخته لمصلحته هو، فهذا حرام لا يجوز.
ونكاح الشغار، عرفه بعض العلماء: أن يزوج الرجل وليته لرجل آخر على أن يزوجه الآخر موليته وليس بينهما صداقاً، فإن سميا صداق حيلة فهو شغار أيضاً، وبهذا قال أحمد والشافعي، فإذا سميا صداقاً ولم يكن حيلة، جاز عند أحمد والشافعي وغيرهما.
ورأى بعض أهل العلم أن حقيقة الشغار هي: أن يزوج رجل وليته لرجل آخر على أن يزوجه موليته؛ سميا مهراً أو لم يسميا مهراً، كل ذلك شغارٌ عندهم.
وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن حقيقة الشغار هي: أن يقول الرجل لرجل آخر: زوجني موليتك على أن أزوجك موليتي، ويشترطان أن كل واحدة تكون مهراً للأخرى.
فإذا كانت كل واحدة مهراً للأخرى، فسواء أضافا مبلغاً مالياً أو لا فما دام في القضية شرط، ألا نزوجك هذه حتى تزوجنا هذه فهو شغار عند بعض العلماء، وعند البعض الآخر إذا لم يقصدوا الحيلة وسميا مهر كل واحدة ودفع جاز ذلك.
ونكاح التحليل أن يتزوج الرجل المرأة ليحللها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً، سواء شرط ذلك عليه، أو لم يشرط عليه، فإنه حرام في جميع الأحوال، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: هو المحلل) وقال: (لعلن الله المحلل والمحلل له) رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما.
فلا يجوز نكاح التحليل، فإذا تزوجها الثاني راغباً فيها، وليست نيته أن يحللها للأول، وكذلك إذا وطئها في هذا العقد الذي عقده عليها، ثم طلقها، فإذا انقضت العدة، جازت أن ترجع إلى زوجها الأول.
فهذه بعض الأنكحة الفاسدة في الشريعة؛ لأجل فساد الشرط الذي حصل فيها، وهناك أنكحة أخرى فاسدة سنأتي عليها.
ومن أسباب طرح الموضوع ولا أكتمكم أيها الإخوة: ما حصل فيه اللغط والكلام مؤخراً عن زواج يعرفونه بزواج (المسيار)، واختلط ذلك على بعض العامة بالهاتف السيار، فصاروا يقولون: الزواج السيار، وهذا الموضوع يرتبط بمسألة الشروط في النكاح، وسنبحث ذلك في الخطبة القادمة إن شاء الله مع مسألة أخرى وهي: ما حكم الزواج بنية الطلاق الذي يفعله بعض المغتربين وغيرهم؟ ولكننا نحتاج إلى معرفة ما هو زوج المسيار؟ وما هي شروطه؟ وهل هو منضبط، لأن بعض الناس يطلقون ألفاظاً على شيء، ثم لا تجدهم يتفقون على حقيقته.
وقد سبق أن ذكرنا الزواج العرفي، وقلنا: مهما كان تعريفه، فإذا توافرت شروط النكاح كان النكاح حلالاً، وزدنا ذلك بياناً في هذه الخطبة، ولكن إذا سألتم ما هو الزواج العرفي؟ منهم من يقول لك: هو الزواج السري؛ أي أن يتزوج سراً، ومنهم من يقول لك: هو زواج المتعة، ومنهم من يقول لك: هو الزواج الذي لا يسجل رسمياً، ولذلك نحن لسنا مع الأسماء، وإنما العبرة في المسمى وليس في الاسم، فهاتوا لنا ما وصل إلى أسماعكم من زواج المسيار هذا لنبحث ذلك إن شاء الله في الخطبة القادمة.
نسأل الله وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.