[أحاديث في أشراط الساعة]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فهذه الليلة أيها الإخوة! سنتحدث فيها عن حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث رواه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويقرب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه عليه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانك، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها).
هذا الحديث قد اشتمل على عدد من أشراط الساعة؛ وأشراط الساعة أشراط صغرى وأشراط كبرى من جهة الحجم وعظم الوقوع.
وأما من جهة هل وقعت أم لا؟ فهي أقسام: فأحدها وقع وانتهى وقوعه، وفق ما قال صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما وقعت مبادئه ولم يستحكم بعد، أوله وقع ولكنه لم يستحكم ويستشر بعد.
والثالث: ما لم يقع منه شيء ولكنه سيقع قطعاً.
فالقسم الأول تقدم وقوعه كما قال صلى الله عليه وسلم، من ذلك: اقتتال الفئتين العظيمتين، وظهور الفتن، وكثرة الهرج والقتل، وتطاول الناس في البنيان، وتمني بعض الناس الموت، وقتال الترك، وتمني رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأمة تبعت الأمم الأخرى كما جاء في حديث أبي هريرة: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها).
وأما النوع الثاني: وهو الذي بدأ ولكنه لم يستحكم بعد: فتقارب الزمان، هذا الكلام ذكره العلماء منذ مئات السنين، وهو الآن في عصرنا أوضح، تقارب الزمان، وكثرة الزلازل، وخروج الدجالين الكذابين، وكذلك ما جاء في الحديث أنه يلقى الشح: (ولا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة) كما جاء في حديث مسلم وقد جاء في حديث حذيفة بن أُسيد أنه تقع قبل الساعة آيات منها: (ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بـ جزيرة العرب).
وكذلك جاء في حديث سحارى عند الإمام أحمد وأبي يعلى عنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب) وهذه الخسوف الثلاثة خسوف عظيمة أكثر مما يقع ويعاين ويشاهد من جهة المكان ومن جهة القدر، يكون خسف على نطاق واسع، وإلا فقد حدثت خسوف وانهيارات أرضية وزلازل، ولكن ليست كهذه الثلاثة التي ستكون أعظم وأكبر وأفظع في القدر والنتائج.
وكذلك جاء في بعض الأحاديث ذكر أشراط للساعة مثل حديث ابن مسعود: (لا تقوم الساعة حتى يسود من كل قبيلة منافقوها)، وكذلك في حديث: (كان زعيم القوم أرذلهم، وساد القبيلة فاسقهم)، وكذلك (إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
وجاء كذلك بعض الأحاديث التي جمعها بعض أهل العلم، كما فعل ابن حجر رحمه الله تعالى، ومنها ما صح ومنها ما هو ضعيف، وفي بعض هذه الروايات: (حتى يكون الولد غيضاً، والمطر قيضاً، وتفيض الأيام فيضاً) وفي رواية: (ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم، ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها).
هذا من جهة بعض الأشراط التي وقع أولها ولم تستحكم وتستشر.
وهناك نمط ثالث وهو لم يقع بعد، ومنها: طلوع الشمس من مغربها، ومنها: قتال المسلمين لليهود، كما جاء في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر) الحديث، وقد أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.
وهذا القتال يقع قبل الدجال كما ورد في حديث سمرة عند الطبراني، وكذلك جاء في حديث أنس: (أن أمام الدجال سنون خداعات؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة)، وهو الرجل التافه يتكلم في مصير العامة من الناس، رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار وسنده جيد.
وقد جاء عند ابن ماجة في حديث أبي هريرة: (قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).
وجاء في حديث سمرة كذلك: (لا تقوم الساعة حتى تروا أموراً عظاماً لم تحدثوا بها أنفسكم)، أي: ما خطرت على بال، وفي لفظ: (يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً؟).
وجاء في هذا الحديث: (وحتى تروا الجبال تزول عن أماكنها)، وقد أخرجه الإمام أحمد والطبراني وأصله في الترمذي.
وجاء في حديث عبد الله بن عمر: (لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس في الطريق تسافد الحمر) أي: كما أن الحمير يركب بعضها بعضاً، ويفعل بعضها في بعض، فكذلك سيفعل الناس في الطرقات وعلى الملأ وأمام الآخرين.
وجاء في حديث أبي يعلى عن أبي هريرة: (لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريناها وراء هذا الحائط)، وللطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر وفيه: (يقول أمثلهم: لو اعتزلتم الطريق)، وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني: (وحتى تمر المرأة بالقوم فيقوم إليها أحدهم فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة، فيقول بعضهم: لو واريتها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر) أي: في العِظم والمكانة.
وكذلك جاء في حديث حذيفة بن اليمان عند ابن ماجة: (يدرس الإسلام -أي: يزول وينتهي- كما يدرس وشي الثوب -كما ينمحي لون الثوب ويزول مع الوقت- حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويبقى طوائف من الناس -الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة- يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: (لا إله إلا الله) فنحن نقولها).
وكذلك جاء في حديث أنس: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله، فنحن نقولها)، وقد أخرجه الإمام أحمد بسند قوي، وجاء عند مسلم بلفظ: (حتى لا يقال في الأرض: الله الله).
وفي حديث ابن مسعود (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)، وفي رواية: (أنه يبقى حثالة) وفي رواية: (لا تقوم الساعة على مؤمن).
وجاء عند أحمد بسند جيد كما قال ابن حجر رحمه الله عن عبد الله بن عمر: (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض -يأخذ أهله ويأخذ المؤمنين من أهل الأرض- فيبقى عجاج لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً).
وكذلك جاء في حديث الطيالسي عن أبي هريرة: (لا تقوم الساعة حتى يرجع الناس من ملتي إلى الأوثان يعبدونها من دون الله).
وفي رواية لـ مسلم وأحمد: (ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان)، ووجد في بعض الأماكن عبادة للأوثان من بعض قبائل العرب فعلاً وحقاً.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الأيام والليالي حتى تعبد اللات والعزى من دون الله)، رواه الإمام مسلم وفيه: (ثم يبعث الله ريحاً طيبة فيتوفى فيها كل مؤمن في قلبه مثقال حبة من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم).
فالأشراط منها صغار وقد مضى أكثرها، ومنها كبار ستأتي، والكبار التي تضمنها حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم وهي: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، والريح التي تهب بعد موت عيسى، فتقبض أرواح المؤمنين.
فماذا بالنسبة للطائفة المنصورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجودها، وأنها إلى آخر الزمان؟ ف
الجواب
أن هذه الطائفة قائمة حقاً وفعلاً، ولكنها ستبقى إلى قرب نهاية الزمان، فقبيل قيام الساعة يبعث الله ريحاً فتقبض أرواح هذه الطائفة المنصورة وغيرها من المؤمنين، ويبقى شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، هكذا وجه الجمع بين حديث الطائفة المنصورة، وحديث: (أنه لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: الله الله) أي: لا يذكر الله عز وجل، وبالتالي لا يكون هناك فائدة من وجود المصاحف، فيسرى على كتاب الله في ليلة، ولا يبقى منه آية لا في المصاحف ولا في الصدور، ويبعث الله تعالى ذو السويقتين فيخرب الكعبة؛ لأنه لا أحد يحج إلى