[رجوع السلف عن الخطأ بعد التبيين لهم]
الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وأكبره تكبيراً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ووعظ الأمة فأثر فيها، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه.
وعندما تقام الحجة على أناس ممن أخطئوا في تصوراتهم، وتقام الحجة على أهل الشبهات كانوا يرجعون، وكانوا يفيئون، حتى أهل البدع منهم، من أراد الله به خيراً كان يتأثر من كلام الصحابة، ورجوع ثمانية آلاف من الخوارج لما بين لهم ابن عباس رضي الله عنه الحجة دليل على هذا.
وروى مسلم رحمه الله عن يزيد الفقير قال: [كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس هذا هو منطوق الخوارج ومفهومهم، نريد أن نحج -نأتي بالعبادة- ثم نخرج على الناس بالسيف ونقتل المؤمن والصالح والمحسن هذا المنطق الأعوج.
قال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم وهو متكئ على سارية، فقال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين.
قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله! ما هذا الذي تحدثون والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:١٩٢] و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج:٢٢]-لأن الجهنميين قوم يخرجون من النار بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هذا الذي تقولون؟ - قال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم.
قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام الذي يبعثه الله فيه؟ المقام المحمود، قلت: نعم.
قال: فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج الله به من يخرج -يعني: من النار- قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه إلى أن قال: فرجعنا فقلنا: ويحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله؟ فرجعنا -فرجعنا عن رأينا الفاسد، ورجعنا عن تلك المصيبة العظيمة التي وقعنا فيها- فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد] أو كما قال أبو نعيم.
فإذاً كان هؤلاء إذا أقيمت عليهم الحجة وأزيلت الشبهة، من أراد الله به الخير منهم كانوا يرجعون، وكثير منهم رجعوا، الأكثرية رجعوا، المسلمون اليوم ممن ينتسبون إلى الإسلام من أصحاب الشبهات لو أقيمت عليهم الحجة، هل يرجعون؟ الأكثرية رجعوا في عهد الصحابة، اليوم القلة، قلة جداً هي التي ترجع وتتأثر من الحجة عندما تقام عليها، عندما تسمع يا أخي الحجة أقيمت عليك ماذا يبقى لك بعد ذلك؟ وعندما كانت المرأة تجهل شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تعرف تلك الشخصية وقد أخطأت في حقها تتأثر تأثراً عظيماً.
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: (اتقي الله واشكري) فقالت: وما تبالي بمصيبتي؟ فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله، ما كانت تعلم أنه رسول الله، فألقت كلمة: وما تبالي بمصيبتي؟ فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت، كيف تكون علامات الميت من الاصفرار والذبول؟ هذه العلامات أخذت المرأة، أخذها مثل الموت، لماذا أخذها مثل الموت؟ لأنها عرفت هذه الكلمة العظيمة أمام من ألقتها، استعظمت الكلمة التي ألقتها.
اليوم تقول للناس شيئاً فيستهزئون به وينكرونه، فإذا قلتم لهم: يا جماعة إن هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يحدث لهم؟ هل يتأسفون؟ هل يأخذهم مثل الموت أو أدنى من ذلك؟ إذا عرفوا كلام من الذي استهزئوا به، ولا نقول أيها الإخوة: إن التأثر يقتصر على الحزن وذرف الدموع فقط، بل كان تأثرهم في أحيان فرحاً، يتأثرون من الفرحة، والحديث الصحيح لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرح الناس بمقدمه فرحاً عظيماً حتى جعلت الولائد والإماء يقلن: جاء رسول الله، جاء رسول الله.
جاء المربي، جاء المعلم، جاء صاحب الوحي الذي سينقل لهم مباشرةً وحي الله عز وجل، فرحوا بمجيء المعلم، فرحوا بمجيء الواعظ.
اليوم الناس في مجالسهم لو جاءهم واعظ أو معلم هل يفرحون بمقدمه؟ هل يفرحون بمجيئه؟ هل تشتعل أنفسهم سروراً وغبطةً ويقولون في أنفسهم: الحمد لله، جاء من يرشدنا ويعلمنا.
أم تعلوا وجوههم قترة وغبرة، ويتوارون من المجلس من سوء ما رأوا، ويريدون اللهو؟ إذاً -أيها الإخوة- الانفعال من سمات الشخصية الإسلامية، هذا الإحساس المرهف، هذه النفسية الرقيقة التي تتأثر لأدنى المواقف وأدنى الكلمات، حال إخواننا المسلمين اليوم في العالم يرثى له من التشريد والتقتيل والسجن والمجاعات، وأنواع الأوبئة والأمراض والاضطهاد، وأحوال الأقليات الإسلامية في العالم، من الذي يتأثر لها التأثر العملي -أيها الإخوة- الذي يؤدي إلى الدعم وإلى الإنفاق في سبيل الله؟ أشياء وأمور كثيرة جداً.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى أن يجعلنا وإياكم ممن يتأثرون بالوحي، وممن ينتفعون بهذا التأثر إلى أعمال البر وأعمال الخير بجميع أنواعها.
وصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى أخبر أنه من صلى عليه فإنه عز وجل يصلي عليه بتلك الصلاة عشر مرات، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه في يوم الجمعة وليلة الجمعة فله أجر عظيم، فصلوا عليه -أيها الإخوة- سائر هذا اليوم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.