للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر وفاة الرسول على الصحابة]

الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى لقي ربه وقد أعذر وأنذر، وبلغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم.

أيها الإخوة: إن الجو الذي عاشه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه كان جواً حالكاً جداً يعبر عنه الراوي في الحديث الصحيح وهو أنس فيقول: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا).

أظلم منها كل شيء، هول الصدمة أراهم الواقع مظلماً لا يرون شيئاً، اسودت الدنيا في أعينهم، وكانوا كما جاء في وصفهم: كالغنم المتفرقة في الليلة الشاتية المطيرة، كيف يفعل الليل والشتاء والمطر والبرد بقطيع من الغنم؟ كيف يبعثرها؟ ولذلك فالثبات في لحظات الفتنة، وفي لحظات المحنة، والصدمة أمرٌ مهمٌ جداً، ولذلك يقول الله في آخر هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران:١٤٤] سيأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه، ليست المسألة في الأشخاص، دين الله باقٍ ولو ارتد الناس، سيأتي الله بقوم يقومون بهذا الدين: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران:١٤٤] لن يضر إلا نفسه، ثم قال: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٤] قال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير: وفي هذه اللفظة (الشاكرين) أقوالٌ: أحدها: أنهم الثابتون على دينهم قاله علي، وقال: كان أبو بكر أمير الشاكرين.

وقال ابن القيم رحمه الله: والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها حتى ماتوا وقتلوا، فظهر أثر هذا العتاب، وحكم هذا الخطاب يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد على عقبيه من كفار العرب، وثبت الشاكرون على دينهم، فنصرهم الله وأعزهم وأظفرهم على أعدائهم، وجعل العاقبة لهم.

فإذاً: تحمل المسئولية في نصرة هذا الدين هي للشاكرين الذين ثبتوا، والقيام بتثبيت الناس وظيفة مهمة ينبغي أن يقوم بها أولئك الشاكرون.

ومن عجائب الأمور التي تذكر بها هذه المناسبة: أن الله عز وجل يقول عن هذا القرآن: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة:٢٦] هذه الآية في المجتمع المدني ثبتت الصحابة رضوان الله عليهم لما مات عليه السلام، فخرجوا يتلونها، أما طائفة من المستشرقين من أبناء هذا الزمن، فإنهم قالوا في هذا الحديث: إن هذه الآية من بنات أفكار أبي بكر، وأنه اخترعها لحظة حصول الصدمة ليمتص بها الصدمة، وهذه الآية قديمة جداً، هذه الآية نزلت في آيات تعقب على غزوة أحد، فتباً لتلك العقول! وفعلاً إن الله يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً؛ آية من كتاب الله اهتدى بها أقوام وثبتوا، وضل بها أقوام وزاغوا، هذا القرآن إذاً يثبت الله به المؤمنين، وليس كل الناس يكون هذا القرآن ذا أثر إيجابيٍ على أنفسهم.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم اجعلنا من الشاكرين في النعماء، الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، اللهم وطهر بلادنا من الشرك والبدع، اللهم واحمها من كل عدو للإسلام والمسلمين، اللهم من أراد بنا وببلدنا سوءاً فاجعل كيده في نحره، اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء اللهم فطهر الأرض من رجسه.

والحمد لله رب العالمين.