وله رحمه الله تعالى مواعظ بالغة: منها ما وعظ بها عمر بن عبد العزيز، من باب النصح لذلك الإمام الخليفة العظيم، ووعظه بمواعظ: فمنها -من الأشياء التي نُقِلَت-: [اعلم أن التفكير يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة، التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها، وتشوفت لخُطَّابها، فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون إليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب إليها والهة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع، ولا العارف بالله والمصدق حين أخبر عنها مُدَّكر، فأبت القلوب لها إلا حباً، وأبت النفوس بها إلا ظناً، وما هذا منا لها إلا عشقاً، ومن عشق شيئاً لم يعقل غيره، ومات في طلبه أو يظفر به ثم قال له: فاحذرها الحذر كله، فإنها مثل الحية؛ لين مسها، وسمها يقتل، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها].
وأتى له بكلام في ذم الدنيا ووجوب الحذر منها، وعدم الانغماس في نعيمها، وأنها قد عرضت على من هو خيرٌ منا النبي عليه الصلاة والسلام فرفضها، ورفض أن يكون ملِكاً، واكتفى بأن يكون عبداً رسولاً.
وأمره أن يقتدي بالأنبياء ومن مضى من الصالحين.
وكان تذكيره لـ عمر بن عبد العزيز بالدنيا؛ لأن عمر بن عبد العزيز تحته الخزائن وبيت المال، والأموال تجري بين يديه، ولذلك ركز على قضية الدنيا، ومكانتها، وحقيقتها، لأنه يحتاج أشد ما يحتاج إلى مثل هذا الكلام.
وهكذا الإنسان الداعية الحكيم ينصح كل إنسان بحسب حاله.
فأنت إذا وعظت تاجراً يحتاج أن تكلمه في فتنة المال.
وإذا وعظت طالب علم يحتاج أن تكلمه -مثلاً- في مزالق طلب العلم، ومسألة المراءاة وخطورتها، والعمل بالعلم، والحذر من أن يعلِّم الناسَ شيئاًَ ولا يعمل به.
وإذا أردت أن تعظ بائعاً في السوق تحتاج أن تكلمه عن فتنة النساء.
وإذا وعظت شاباً يحتاج أن تكلمه عن الشهوات واتقائها.
وإذا وعظت رجلاً كبيراً حذرتَه من طول الأمل، ووجوب حسن العمل، وأن الإنسان إذا بلغ الستين أعذر الله إليه، وينبغي أن يتفرغ للعبادة.
فيؤخذ من كلام الحسن رحمه الله: أن الإنسان يعظ الشخص بحسب حاله؛ فإذا كان صاحب سلطان ذكره بقدرة الله وقوته، وبطشه، وانتقامه وهكذا، فتكون النصيحة بحسب المنصوح له وبحسب حاله.