وكذلك من آفات بعض السائلين: أنهم يحفظون أطرافاً من المسائل، ونتفاً من الأحاديث مثلاً تعلق في أذهانهم، ثم يأتون يسألون العلماء أو المشايخ، يقول: ما معنى حديث كذا؟ يأتي بالحديث غلط، ويأتي بجزء من الحديث، ما حفظ إلا كلمتين، أو مسألة سمعها في مجلس ما عقل منها إلا كلمتين، يأتي للشيخ ويقول: ما كذا، جاء ابن عجلان إلى زيد بن أسلم، فسأله عن شيء فخلط عليه الكلام، فقال زيد: اذهب فتعلم كيف تسأل، ثم تعال فسل.
وقال ابن عيينة: ضمني أبي إلى معمر، وكان معمر رحمه الله يجيء إلى الزهري يسمع منه، فأمسك له دابته، كان في مقتبل العمر صغيراً، أبوه وضعه مع معمر، حتى يتعلم من معمر، ومعمر يذهب إلى شيخه، وهو الزهري فيسأله؟ إذا ذهب معمر إلى الزهري، أمسك ابن عيينة بدابة معمر، كان ابن عيينة صغيراً، قال: فجئت يوماً فدخل معمر على الزهري وأنا ماسك دابة معمر في الخارج، فقلت لإنسان: أمسك الدابة، فدخلت وإذا مشيخة قريش حوله -حول الزهري - فقلت له: يا أبا بكر كيف حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس الطعام طعام الأغنياء) قال فصاحوا بي- الناس- فقال هو: تعال، ليس هكذا عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله) فإذاً الواحد لا يحفظ كلمتين من حديث، أو طرف مسألة، ويأتي إلى الشيخ يجادله بها.
وبعض السائلين عندهم آفة استعراض العضلات عند العلماء، يبحث مسألة ويقرأ فيها ويطلع، ثم يتصل بشيخه، ما استغلق عليه شيء ليسأل عنه، ولا يوجد شيء غريب يسأل عنه، ولا يريد أن يسأل عن الراجح بين قولين، لا، وإنما ليذكر للشيخ تفاصيل البحث الذي عمله، ويقول: يا شيخ ما حكم كذا؟ الشيخ الآن ما يتذكر كل التفاصيل، كمن بحث الآن، الذي قرأ الآن في الكتب ليس مثله مثل الشيخ الذي هو بعيد عهد بالمسألة، فيقول: يا شيخ! ما حكم كذا؟ فيقول الجواب الفلاني، يقول: لكن الكلام الفلاني قال في كتاب الفلاني كذا، ولكن هذه دليلها كذا، ولكن فأنت لماذا تسأل؟ نعود دائماً نكرر على الناس نقول لماذا تسأل؟ استعراض عضلات (من تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، كبه الله في النار).
وبعضهم يأتي بسؤال يلف به على المشايخ، لمجرد أن يقول في المجالس: سألت الشيخ فلان قال كذا، سألت الشيخ فلان فقال كذا، يفتخر بأنه جمع أقوال المشايخ، أين الإخلاص يا أيها السائل؟ أين الإخلاص يا طالب العلم؟ ولذلك المقصود من السؤال حقيقة هو الاسترشاد وطلب الفائدة، وليس استكشاف المسئول، وحب الاستطلاع، وإحراج المشايخ بالأسئلة، وفرد العضلات.
وأعطيكم مثالاً للسؤال عن أشياء غير مناسبة، وفيها شيء من الإزراء، هذا يقول سؤال: سمعت أنك أخذت عمرة، فهل أنت حلقت أوقصرت نرجو منك أن تكشف غطاء رأسك لنا، لنراه؟ ما معنى هذا؟ ما هي فائدته؟ أنت تعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أنه دعى للمحلقين ثلاثاً ودعى للمقصرين واحدة، أنت تعلم الحكم الشرعي، فتأتي تسأل وتقول: اكشف لنا شعرك نراه أمام الناس، أو كذلك أن يُسأل الشيخ في قضية ما له علاقة بها أبداً.
وهذه أسئلة وردت في محاضرة شرعية،
السؤال
ما هو القولون العصبي؟ وما أسبابه؟ وما هو العلاج اللازم له؟ وهل يمكن الشفاء منه؟ سؤال آخر: امرأة أخذت بالغلط دم مصاب بفيروس الكبد الوبائي وهي امرأة متزوجة، هل هذا يؤثر على الأطفال الذين تنجبهم فيما بعد؟ سؤال آخر: لو أخذت المرأة إبرة من الحصبة الألمانية، وبعدها اكتشفت أنها حامل في الشهر الثالث ماذا الذي يتوقع من خطورته؟ سؤال: حدث لي التهاب اللوزتين فوصف لي الطبيب دواء معيناً، وقال عندي بؤرة صديدية، وبلغ ثم داومت يومين على الدواء وبعد ذلك انقطعت عنه، وأحسست بالشفاء مع العلم أن هذا مضاد حيوي، هل يؤثر هذا على القلب أم لا؟ فإذاً كونك تسأل شيخاً عن سؤال طبي، أو هندسي أو فلكي، ليس له فيه اطلاع، هذا أيضاً من إساءة الأدب.