إن الآيات والأحاديث -أيها الإخوة- تركز على هذا المفهوم تركيزاً عظيماً، يجب أن يستقر هذا المفهوم في أنفسنا، وينبغي أن يكون حياً في أذهانناً ومشاعرنا لأن الأحوال لا تستقيم، حال المؤمن لا يستقيم إلا وهذه جزء منه وركيزة من ركائزه، لا يصلح أن يكون من انعكاسات هذا الموضوع في أنفسنا ترك الأخذ بالأسباب التي أمرنا بالأخذ بها شرعاً، لا يصلح ولا يعني عرض هذا الموضوع ترك السعي لتحصيل القوة التي نهزم بها الكفار، وليس معنى هذا أن نترك السعي لطلب الرزق الذي نعيش به الأنفس التي نحن مسئولون عنها، وليس الموضوع لترك العلاج والتداوي أو ترك الدراسة والجد والتحصيل، أو ترك الغرس والبناء وعمارة الأرض كما أمر الله؛ بل إن القضية بعدم التعلق بالدنيا مع الأخذ بنصيبنا منها فإن الإسلام وسط، وهذه الأمة التي اصطفاها الله وأخرجها لعمارة هذه الأرض والجهاد في سبيل الله لا بد أن تأخذ بالأسباب، قال الله تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ}[القصص:٧٧] أولاً {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:٧٧].
إذاً لا تنس نصيبك من الدنيا، فخذ ما تحتاج إليه، واعمل ما تقتات به، واكسب عيشك، الله سبحانه وتعالى جعل في الدنيا معايش وأخبرنا بأنه جعل لنا فيها معايش، لا بد من الطعام والشراب، لا بد من الغذاء والسكن واللبس.
ولكن -أيها المسلمون- الانشغال الحاصل الآن في هذا التنوع والتوسع والكماليات -مع الأسف- التي غرق فيها الناس وأدخلوها بيوتهم، وأنفقوا فيها الأموال الطائلة، الكماليات والتعلق بالزينة، إذا مرت سيارة فارهة قال: آخ لو أن عندي مالاً.
وإذا رأى قصراً مشيداً ضرب كفاً بكف وقال: لو أن لي مثله.
اعلم أن الذين رأوا أموال قارون التي تنوء بمفاتحها الرجال أولو القوة قالوا:{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}[القصص:٧٩] لكن ماذا قال أهل العلم؟ {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً}[القصص:٨٠].
فإذاً -أيها الإخوة- لا بد من أخذ الأسباب التي نرفع بها شأن الدين، وإن نحن ابتعدنا بأنفسنا عن هذه المهالك في الدنيا، وكذلك الدنيا هذه هي الفرصة للعمل، فلا يعني هم الدنيا أن نقعد عن العبادة وننتظر الأجل لا.
لأن الدنيا هي الفرصة للعمل للتزود للآخرة والعبادة، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.