تاسعاً: ومن كيد الشيطان وتلبيس إبليس: ما بلغ به من الوسواس الذي أوقع فيه كثيراً من الخلق، وكادهم به كيداً عظيماً، فمرض الوسواس من الشيطان ولا شك، الوسواس كادهم به في الطهارة، وفي النية، وفي الصلاة، وحتى في قراءة القرآن، وفي الطلاق وغير ذلك، وألقاهم في الآصار والأغلال، وأخرجهم عن اتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفيه، حتى إن أحد هؤلاء الموسوسين ليرى أنه لو توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اغتسل كاغتساله عليه الصلاة والسلام لم يطهر، ولم يرتفع حدث، وكيف يطاوع الموسوس نفسه أن يغتسل هو وامرأته من إناء واحد يغمسان أيديهما فيه، غسل الجنابة ويفرغان عليهما، فالموسوس يشمئز من ذلك كما يشمئز المشرك إذا ذُكِر الله وحده، مع أن من الذي فعل ذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويزعم له الشيطان أن هذا من الاحتياط في الدين، ومن باب دع ما يريبك إلى مالا يريبك، وإذا مس الصبي أو ولده الصغير فإنه يجب أن يغسل يديه باستمرار وبعض الموسوسات، وهؤلاء يغسل أحدهم يده غسلاً يشاهده ببصره وربما قاله بلسانه، بعض الموسوسين من عذابهم يغسل يديه ويشك حتى يضطر أن يقول بلسانه: الآن أغسل يدي غسلت يدي، ويسمعه بسمعه وربما سمعه جاره ولا يصدق نفسه.
وربما أضر بجسده كالغوص في الماء البارد وكثرة استعماله وإطالة العرك والفرك وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان، ويستهزئ به من يراه، وذكر ابن الجوزي رحمه الله عن أبي الوفاء بن عقيل: أن رجلاً قال له: أنغمس في الماء مرات كثيرة وأشك هل صح الغسل أم لا، فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ) ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون! وربما شغله الوسواس حتى تفوته الجماعة، وربما فاته وقت الصلاة بالكلية.