[فتاوى مضلة في جواز الربا]
هذه مقدمة أقولها بمناسبة أن بعض إخواننا جزاهم الله خيراً من الحريصين قد أراني مقالة نشرت في بعض الجرائد في الخارج عن فتوى أفتى بها أحد الضالين في هذه المسألة على الأقل، يقول في هذه الفتوى، ومن كلامه نقلت مختصراً بعد تعليلات وأدلة وليٍ لأعناق النصوص، واجتزاءٍٍ من أقوال بعض أهل العلم كما يهوى هو، قال بعد ذلك: وبناء على كل ما سبق فإن () ترى أن المعاملات في شهادات الاستثمار وفيما يشبهها كصناديق التوفير جائزة شرعاً، وأن أرباحها كذلك حلالٌ وجائزة شرعاً، إما لأنها مضاربة شرعية -كما يظن هذا المفتري- وإما لأنها معاملة حديثة نافعة للأفراد وللأمة، وليس فيها استغلال من أحد طرفي التعامل للآخر.
ثم قال حاثاً الناس أن ينهجوا هذا النهج المحرم: ومن الخير أن يشتري الإنسان هذه الشهادات، وأن يتقبل ما تمنحه -يعني ما يمنح- من أرباح نتيجة لذلك، ثم قال متبجحاً: وقد اقترحت على المسئولين -في بلدته- أن يتخذوا الإجراءات اللازمة لتسمية الأرباح التي تعطى لأصحاب شهادات الاستثمار بالعائد الاستثماري، أو بالربح الاستثماري، وأن يحذفوا كلمة الفائدة لارتباطها في الأذهان بشبهة الربا.
الجواب
=٦٠٠٢٨٠٦> سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:١٦] يريد أن يحلل للناس الحرام، ثم يقترح بأن تسمى الفائدة أرباحاً استثمارية وعائدات استثمارية، لكي يلبس على الناس بزيادة، وليس هو الجديد الذي فتح هذا الباب، فقد فتحه اليهود من قبله، وغيروا الأسماء لكي يلبسوا على الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنه (سيأتي من هذه الأمة أناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) سمها ما شئت؛ خمراً، مشروبات روحية، كحولاً، وسكي، كله حرام، كل مسكر خمر وكل خمر حرام، طلعت أو نزلت، ذهبت يميناً أو شمالاً، دخلت جحر ضب نصراني أو يهودي فهو خمر حرام.
وكذلك نقول: سمها ما شئت؛ ربا، فوائد، أرباحاً، عوائد استثمارية، أرباحاً استثمارية، سمها ما شئت، هو حرام أولاً وأخيراً، طلعت أو نزلت فهي حرام؛ لأنها ربا منصوص على تحريمه في الكتاب والسنة.
ثم قال: إن دخول الإنسان في مضاربة دون تحمل للخسارة أيها الإخوة! حرام -هذا الكلام نقوله نحن ولم يقله هو- إذا كان دخوله في مضاربة مع اشتراط ألا يتحمل خسارة حرام، فكيف يدخل في مضاربة وهو يشترط نسبة معينة من الأرباح ٨% أو ١٠% أو ١١% ونحو ذلك؟! إنه حرام أكثر، فكيف يقول هذا في فتواه مستنداً يقول: تحديد الربح مقدماً حماية لصاحب المال، وهكذا يجادلون في آيات الله، وهكذا يريدون أن يضلوا الناس.
ورغم هذه الشنشنة التي يطلقونها يقولون متبجحين: الربا ما كان بين طرفين غني وفقير، الربا ما كان فيه استغلال، أما إذا كان بين غني وغني؛ فلا بأس.
من الذي قعد هذه القاعدة؟ ومن الذي وضع هذا الاستثناء؟ هل هو موجود في القرآن؟ لما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:٢٧٨] هل قال: ذروا ما بقي من الربا بين الأغنياء والفقراء؟ أم أن الآية عامة تشمل كل شيء؟! غني وغني، غني وفقير، فقير وفقير، الآية عامة ولذلك مهما حاول هؤلاء أن يخرجوها فإنها لن تخرج؛ لأنها نزلت من عند الحكيم الخبير.
وأهل الباطل يستغلون هذه الفتاوى العوجاء، ويبحثون عنها بتنقيب شديد، ويستغلونها أبشع استغلال، ويصورونها ويطبعونها وينشرونها ويوزعونها، لكن هل دخلت مرة مكاناً ربوياً فوجدت معلقاً عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩] هل وجدت هذه الآية؟ هل إذا دخلت مكاناً فيه ربا وجدت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم؛ أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) لا تجد هذا، لكن تجد الفتاوي الرخيصة مطبوعة ومنشورة لتضل الناس، ويل لهم من عذاب الله، ثم ويل لهم ثم ويل لهم.
بلال عنده صاعان من التمر غير الجيد، ذهب إلى السوق، واشترى صاعاً من التمر الجيد، هل هناك أحد مظلوم؟ هل جرت المعاملة وهل فيها استغلال؟ أليست قد تمت برضا الطرفين؟ هذا رضي أن يعطي صاعين من التمر الرديء، وهذا أعطاه مقابلها صاعاً من التمر الجيد، تمت برضا الطرفين بدون استغلال، ومع ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (أوه أوه! عين الربا، عين الربا، لا تفعل) إذاً هؤلاء الذين يقولون: نحن نستثمر في البنوك بالربا، البنك قوي وأنا غني، أو أنا فقير محتاج نقول له: أين هذا في حديث بلال؟ كيف تتلاعبون على الدين؟ كلاهما قد استفاد بلال استفاد والآخر قد استفاد، ربما كان عنده عائلة كبيرة والصاعين عنده شيء جيد، وبلال أخذ صاع تمر لشخص واحد للرسول صلى الله عليه وسلم، كلاهما قد استفاد، كلاهما لا ينكر أن يكون قد حقق رغبته، بل هناك تراض، وليس فيها استغلال، لكنه عليه الصلاة والسلام رفض هذا، ذلك لتعلموا مدى تحايل هؤلاء الناس، وتتابعهم على الشر والإثم والعدوان.
وبعضهم يثير الشبهات، يقول: الله قال: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:١٣٠] يعني لا تأخذ (١٠٠%، ٢٠٠%، ٣٠٠%) نحن نأخذ فقط (١٠%) نقول له: هل نسيتم بقية الآيات: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:٢٧٨] ولو (١%).
ثم لو أنني قلت لشخص: حرام عيك أن تزني بعشرات النساء، هل يعني هذا أنه لو زنى بامرأة واحدة صار حلالاً؟! لو قلت لواحد مرتشٍ كبير: حرام عليك أن تأخذ مئات الآلاف أو تأخذ آلاف النقود بالرشاوي، بمعنى: لو أخذ ريالاً واحداً برشوة كان ذلك جائزاً، إذاً فانظروا كيف يتلاعبون بكتاب الله عز وجل، ويستهزئون به، ثم نقول لهم: أين تذهبون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد عند الله من ست وثلاثين زنية) درهم واحد يمكن هذا (١%) يمكن (٠.
٥%).
والمؤسف أيها الإخوة أنني سمعت أن بعض الفقراء لديه ألف ريال مثلاً يضعها في البنك، لكي يأخذ عليها فوائد، والفائدة مقدارها؟ عشرة ريالات! هكذا تغلغل الربا في الأمة، حتى لم يكد يسلم منه أحد إلا من رحم الله، ونسأل الله العافية.
فإذاً، الذي يقول البنوك غير معروفة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، نقول له: لكن مبدأ الربا معروف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقول له: إن الله يعلم أنه سيكون في الزمان بنوك، وهذه الشريعة تصلح لأول الأمة كما تحصل لآخر الأمة، وتلك مهزلة إذا كانت الشريعة تصلح للزمن الذي قبل وجود البنوك، ولا تصلح لزمن وجود البنوك.
أيها الإخوة! يقول تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨] كل شيء موجود حكمه، وإن تغيرت الوسائل والأساليب، فإن هذا التبيان والحكم موجود في كتاب الله العزيز، فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟! اللهم سلمنا من الحرام، وباعد بيننا وبينه، واجعل أموالنا ورزقنا حلالاً يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.