بالنسبة لصفاته الخُلقية رحمه الله؛ كان على جانب عظيم من مكارم الأخلاق، أكسبته محبة الناس والمشايخ والتلاميذ، فيصف تلميذه أخلاق أستاذه يقول: كان أبو جعفر ظريفاً في ظاهره، نظيفاً في باطنه، حسن العشرة لمجالسيه، متفقداً لأحوال أصحابه، مهذباً في جميع أحواله، جميل الأدب في مأكله وملبسه، وما يخصه في أحوال نفسه، منبسطاً مع إخوانه حتى ربما داعبهم أحسن مداعبة، وربما جيء بين يديه بشيء من الفاكهة، فيجرى في ذلك المعنى ما لا يخرج من العلم والفقه والمسائل حتى يكون كأجد جدٍ وأحسن علم، وكان يتمسك بما عليه أهل السنة والجماعة كما سيأتي.
ومما حصل من حسن خلقه مع خصومه أنه كان يحضر عند داود بن علي الظاهري يسمع منه، ويناقشه في العلم، حتى حضر مرة عنده وناقشه في مسألة من العلم، فضاق أحد أصحاب داود وكلمه كلاماً فضاً، فقام الطبري من مجلسه، وبدأ بتصنيف كتاب للرد على داود ومناقشة مذهبه، وأخرج منه مائة ورقة، فلما مات داود؛ قطَّع الطبري كتابه، فقام محمد بن داود للرد على أبي جعفر، وتعسف عليه وأخذ في سبه، إلى أن جمعتهم المصادفة في منزلٍ، فلما عرفه الطبري؛ رحب به، وأخذ يثني على أبيه ويمدحه، ويصفه بالصفات الكريمة؛ مما حمل ابن داود على تقطيع كتابه، فقطع الكتاب وأتلفه ومزقه؛ بسبب حسن استقبال أبي جعفر له، وثنائه على أبيه، فامتص غضبه ونقمته، وحوله من عدو له إلى صديق.