[الدعوة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة]
أريد أن أنبه -أيها الإخوة- بهذه المناسبة على مسألة مهمة: بعض الإخوان الصالحين الطيبين الذين يعتقدون عقيدة أهل السنة والجماعة، ويدينون الله بها يظنون أن مجرد الاعتقاد بعقيدة أهل السنة كافٍ في نُصرة الإسلام؛ لأن الله سينصر الطائفة المنصورة وينجيها، ولكن مجرد الاعتقاد بعقيدة أهل السنة والجماعة من غير محاولة لنشر العقيدة ومقارعة أهل البدع والإجرام بها، والتضحية في سبيل الله بالنفس والمال والوقت والجهد لن يؤد إلى النصر؛ لأن لله سنناً في الكون لا تتخلف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم طريقته معروفة: آمن واعتقد، وعلَّم أصحابه العقيدة، ثم دعا إليها، وجاهد في سبيلها، وصبر في سبيل ذلك، وظل يبحث عن مواطن جديدة للدعوة، وأخرج أصحاباً له إلى الحبشة وخرج هو إلى الطائف، ثم ذهب إلى المدينة وفُتحت المدينة بالقرآن ولم تُفتح بالسيف.
والقرآن مليء بالآيات الدالة على العمل، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:٢٥].
إذاً: فمجرد الاعتقاد لا يكفي، وإنما يجب العمل.
عن أبي برزة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان في مغزىً له، فأفاء الله عليه -غَنِمْ- فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم.
فلان وفلان وفلان، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا.
قال: لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه، فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه، فقال: قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، قالها مرتين أو ثلاثاً، ثم قال بذراعيه هكذا فبسطهما، قال: فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ذراعي أو ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فحفر له ووضعه في قبره ولم يذكر غسله).
حديث صحيح.
جليبيب قتل سبعة في سبيل ماذا؟ ثم قتل في سبيل ماذا؟ عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: [هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأحذ من أجره شيئاً، منهم: مصعب بن عمير].
مصعب بن عمير ماذا حصل له؟ مصعب بن عمير أسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وجاهد والديه، وجاهد المجتمع، وأوذي في سبيل الله وناله من الأذى شيئاً كثيراً، ثم يُهاجر مصعب إلى المدينة بسبب اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم له، وذلك لميزات في شخصيته، فكان سفره من أقوى الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام في المدينة، وقد أسلم على يديه سادات الأنصار، ثم يخرج في معركة بدر ويقاتل، ويخرج في معركة أحد ويحمل اللواء، فيُقتل رضي الله عنه.
ماذا جاءه من نعيم الدنيا؟ لما مات ياسر وقتلت زوجته أم عمار ماذا نالت من الدنيا؟ ماذا نالت من المغانم؟ لا شيء، مات هؤلاء في مقتبل الأمر مات هؤلاء والمسلمون في مرحلة استضعاف، ضحوا ولم يروا نتائج التضحية، بعض المسلمين يستعجلون يريدون أن يروا نتائج العمل في أقرب وقت.
يا أخي! ربما لا ترى النتيجة إلا بعد أجيال وربما لا تراها أنت أصلاً، ربما لا يراها إلا حفيدك أو حفيد حفيدك، وماذا يُضِيرك لو تعمل للإسلام؟ ولو رأى غيرك النتيجة؛ لأنك لست مكلفاً إلا بالعمل (قتل مصعب يوم أحد فلم يُوجد له شيء إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوها على رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر، ومنا من أينعت ثمرته فهو يهدبها).
لكن الصحابة حتى بعد أن فُتح عليهم وجاءتهم الأموال، يجلس الواحد منهم يحاسب نفسه ويبكي ويقوم ويترك طعام الإفطار، يقول: ومنا من أينعت ثمرته، هو الآن يتنعم، يحاسب نفسه فيبكي ويقوم ويترك طعام الإفطار.