إذا أتينا للكلام عن فوائد الرحلة في طلب العلم فإن الرحلة في طلب العلم فيها فوائد كثيرة، فإن الإنسان إذا رحل لطلب العلم فإنه يلاقي أهل العلم وعندهم معارف مختلفة فيأخذ عنهم من معارفهم، ويتحلى من فضائلهم وأخلاقهم؛ لأن العلم يتعلم بأمور، منها: الملاقاة، والمحاكاة والتلقين المباشر، فإذا لقي الشيوخ وجلس إليهم فاحتك بهم يصل إليه من خيرهم ويرسخ في نفسه مما ينطبع فيها من أخلاقهم وشمائلهم؛ فيكون هذا الرسوخ قوياً.
وكذلك فإن العلماء قد رحلوا وقرءوا واستفادوا، فالإنسان إذا لقيهم وجلس إليهم يأخذ عنهم فوائد ربما لا يحصلها في الكتب سنين طويلة، أي: ربما تأخذ فائدة عن عالم لو جلست تبحث الكتب سنين ربما لا تجدها، لكن هو قد سبقك إليها وقرأ الكتب قبلك وحازها، فهو يعطيك نتائج سنوات طويلة من البحث، ويهبك بالمجان فوائد وفرائد قد لا تقع عليها في الكتب إذا قرأت، فلذلك فيها اختصار للأوقات، وفيها الحصول على كنوز وفرائد.
وكذلك فإن عندهم ضوابط وتحذيرات وفوائد علمية تجل عن الحصر، ولا شك أن العلم الذي يؤخذ بصعوبة لا يفلت بسهولة، وهذا مجرب، فالإنسان إذا سافر ورحل وصرف المال ليلقى شيخاً يسمع منه ويأخذ منه فائدة يصعب أن تنسى هذه الفائدة، لكن الشيء الذي يؤخذ في البيت وتحت المكيفات بدون تعب من الصحف قد ينسى بسرعة؛ لأنه لم يتعب في تحصيله، فالمعلومات التي يتعب الإنسان في تحصيلها لا تنسى بسهولة، وهذه فائدة مهمة من فوائد الرحلة في طلب العلم.