نقطة أخيرة في هذا الموضوع: عندما نقول بالنهي عن المدح والتمادح والثناء فلا نعني أيها الإخوة بأي حال من الأحوال الجفاف في معاملة الناس، وعدم الثناء على من يستحق الخير، وأنه إذا ورد أمامنا ذكر عالم أو رجل من المخلصين ألا نقول له كلمة مدح أو ثناء البتة، كلا أيها الإخوة، ولا يعني ذلك أيضاً أننا في حال الدعوة إلى الله لا نترفق بالناس، ونستثير كوامن الخير في أنفسهم بالثناء على ما فيهم من الخير، أنت كداعية عندما تريد أن تدعو إلى الناس لا تذهب إلى الرجل وتقول في وجهه: افعل كذا وكذا بدون مقدمات تستثير بها عاطفته وتفتح قلبه، فمثلاً تقول للرجل: أحسب أنك من أهل الخير هلا فعلت كذا وكذا، أحسب أنك من أهل طاعة الله لم لا تفعل كذا؟ أو تقول مثلاً لرجل وهو يصلي: يا أخي أنت من أهل الصلاة والحمد لله، وفيك خير كبير، وفيك إيمان ما دمت أنك من أهل الصلاة، لماذا لا تكمل هذا الإيمان بالإقلاع عن المعصية الفلانية والفلانية؟ وقد قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
هذا الأسلوب أيها الإخوة مطلوب، تشجيع طلبة العلم أثناء تعليمهم بقول المعلم للرجل: أحسنت مثلاً، والثناء عليه لا بأس بذلك، تشجيع الناس الذين يفعلون الخير بالكلمات الطيبة لا بأس بها، بشرط أن يؤمن بأنهم لن يأخذوا كلامك هذا ويفسد نياتهم ويتركون العمل، وذلك بأن تقتصد في المدح وتعطي كل رجل الألفاظ المناسبة لحاله بغير أن تخرجه عن الحد المشروع.
ولذلك أيها الإخوة أبو سفيان المشرك لما أسلم رضي الله عنه، كيف أسلم؟ من الأسباب التي دعته للإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنزله منزلة فيها إظهار لبعض قدره حتى يؤلف قلبه على الإسلام، فلذلك قال عليه السلام مخاطباً أهل مكة:(من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن) لماذا قال هذه الجملة؟ قالها إعطاء لهذا الرجل شيئاً من المنزلة لعل الله أن يهديه، فأصاب أبو سفيان هذه المنزلة تأليفاً لقلبه، وهذا قدوة نقتدي بها أيها الإخوة في باب الدعوة إلى الله عز وجل.
وفقنا الله وإياكم لمعرفته حق المعرفة، وعبادته حق العبادة، وأن نقوم بحقوق الله جل وعلا، وأن نقيم حدوده عز وجل في أعمالنا وجوارحنا وألسنتنا، ونسأله تعالى أن يقينا وإياكم آفات اللسان فإنها مهلكة.
اللهم اجعلنا من الطائعين لك سراً وجهراً، ومن القائمين بحقوقك في الليل والنهار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.