[أنواع المشيات]
ثم قال رحمه الله: والمشيات عشرة أنواع: منها: هذه الثلاثة التي مضت، وهي: التماوت، والهوجاء، والهون.
الرابعة: السعي.
الخامسة: الرمل؛ والرمل أسرع من السعي، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ويسمى الخبب أيضاً، وفي الصحيح من حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خب في طوافه ثلاثاً ومشى أربعاً).
السادسة: النسلان، والنسلان هو العدو الخفيف الذي لا يزعج الماشي ولا يكرثه، ولا يسبب الإجهاد الكثير، الهرولة اليسيرة، وفي بعض المسانيد أن المشاة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشي في حجة الوداع -أي: من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى - شكوا إليه تعب المشي فأوصاهم عليه الصلاة والسلام بوصية فيها تخفيف عليهم، تتعلق بسرعة المشي، قال: (استعينوا بالنسلان) وهذا الحديث صحيح، رواه الحاكم وصححه الذهبي، فإذا كنت تمشي مسافة طويلة وأردت أن تستعين بشيءٍ يخفف عنك المشي الطويل فعليك بالنسلان، وهو الهرولة الخفيفة، فعند ذلك ستجد أنك قطعت مسافة أكثر براحة أكثر.
السابعة: الخوزلة: وهي مشية التمايل وهي مشيةٌ يقال: إن فيها تكسراً وتخنثاً.
الثامنة: القهقرى: وهي المشي إلى الوراء، وسيأتي حديث يتعلق بها.
التاسع: الجمزى: وهي مشيةٌ يثب فيها الماشي وثباً، ويقفز قفزاً.
العاشر: التبختر، وهي مشية أولي العجب والتكبر، وهي التي خسف الله سبحانه بصاحبها لما نظر في عطفيه وأعجبته نفسه فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، قيل: إنه قارون.
وأعدل هذه المشيات مشية الهون والتكفؤ، أما مشيه مع أصحابه فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: دعوا ظهري للملائكة ولهذا جاء في الحديث: (وكان يسوق أصحابه) ومعنى (يسوق أصحابه) أنهم يمشون أمامه ويمشي وراءهم، وكان يمشي حافياً ومنتعلاً.
ومما يتعلق بآداب المشي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يحتفوا أحياناً لأجل أن يتعود الإنسان على الخشونة -يخشوشن- كما قال: (تمعددوا) انتسبوا إلى معد بن عدنان يعني في هيئته وشمائله، (واخشوشنوا) وفي رواية: (واخشوشبوا).
إذاً: اعتادوا الخشونة، لأن الإنسان تتعاوره الظروف؛ فلن يكون دائماً في أماكن الترف والأماكن المهيأة، قد يضطر أن ينام أحياناً على الحجارة، وأن يمشي بدون نعال، فإذا كان هذا الإنسان مرفهاً مترفاً فلن يستطيع أن يتحمل، ولذلك تجد أصحاب الترف والميوعة لا يكادون يطيقون الحج، ويقولون: تعبنا وجهدنا ونحو ذلك، لأنه ليس متعوداً على المشقة، وأول ما يقع في شيء من المشقة في الطواف من زحام أو نحو ذلك يتأفف تأففاً عظيماً، وربما قال: ليتني ما حججت، وهذه عبارة سمعناها من بعضهم، قال: لو أدري أن الحج هكذا ما جئت.
وكان صلى الله عليه وسلم يماشي أصحابه فرادى وجماعات، وكان في السفر ساقة أصحابه؛ أي: يمشي وراءهم: (يزجي الضعيف ويردفه ويدعو له) وهذا الحديث رواه أبو داود وهو حديثٌ صحيح.
وقد ذكر العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب بعنوان المشيات عشرة أنواع، ونقل كلام ابن القيم رحمه الله، وأضاف إليه بعض الإضافات، فمن الإضافات التي أضافها السفاريني على كلام ابن القيم، لما عرض أحاديث مشية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا مشى كأنه ينحدر من صبب وأنه يمشي بنشاط وقوة، قال: فدلت هذه الأحاديث وأمثالها مما لم نذكر أن مشيته صلى الله عليه وسلم لم تكن بمماتةً ولا مهانة، والصبب الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليلٌ على سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه، والتقطع الانحدار من الصبب، والتقطع من الأرض قريب لبعضه من بعض، وأراد به قوة المشي وأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً قوياً لا كمن يمشي اختيالاً يقارب خطوه، فإن ذلك من مشي النساء.
لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء؛ أن يمشي الرجل مشية المرأة.
ثم قال متعقباً في قضية المشي إلى الصلاة ومستدركاً: نعم.
ينبغي للإنسان أن يقارب خطاه إذا كان ذاهباً إلى المسجد لأجل الصلاة، لأن كل خطوة تكتب حسنة وتمحو سيئة وترفع درجة، فمن أجل هذا استحب بعض العلماء تكثير الخطى بتقاربها حتى تكون أكثر.