كان -رحمه الله- مشهوراً بضرب الأمثال، فمثلاً يقول في قضية التوكل: ينبغي أن يوكل المرء أمره إلى الله، ويشعر أنه إذا وكل أمره إلى الله كأنه دخل حصناً حصيناً، والأعداء لا يستطيعون أن يصلوا إليه، وكذلك حال الإنسان في الإنفاق وهو يتوكل على الله وينفق، يقول: مثل ملك قال لأحد رعيته: إذا أنفقت، أعطيك بدل الذي أنفقته من خزائني أضعافه، فإذا علم صدق الملك، ووثق به، واطمئن إليه، وعلم أن خزينة الملك لا تنفذ، فما الذي يمنعه من الإنفاق، ثم يمثل المتوكل بحال الطفل الرضيع، الذي لا يعرف من الدنيا إلا ثدي الأم، فلا يهتدي إلا إليه ولا يقبل على غيره، وكذلك ينبغي أن يكون المتوكل على الله مثل الطفل الذي يقبل على ثدي أمه.
ومن أمثاله أيضاً: يقول: السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمراتها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية، فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاد يوم المعاد، ثم يقول: إن هذه الشجرة ينبغي أن تسقى بماء الإخلاص والمتابعة لتكون الثمار طيبة في الآخرة.
وعندما يتكلم ابن القيم في مدارج السالكين عن منازل من أعمال القلوب، تنذهل وتندهش حقيقةً من القدرة التي أوتيها هذا الرجل -رحمه الله تعالى- فمثلاً عندما يتكلم عن المحبة يقول: الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيله، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليله، وحرك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثاراً لطلبها وتحصيله، والمحبة هي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها إلى آخره.