[مؤلفات أبي عبيد في الفقه واللغة والأنساب وغيرها]
وأما بالنسبة للفقه:- فإنه قد ألف فيه مصنفات، وألف أدب القاضي.
ومن أهم مؤلفات أبي عبيد في الفقه: الأموال الشرعية وبيان جهاتها ومصارفها، وهذا الكتاب كتابٌ عظيم ذكر فيه أن مصارف الأموال ثلاثة: - الفيء.
- والخُمُس.
- والصدقة.
وتحت كل واحد من هذه الثلاثة أنواعٌ وأقسام، عرض فيه هذه المصارف الثلاثة، وآراء الصحابة والتابعين وفقهاء زمانه، ودلل لكل رأي وناقشه حتى يتوصل إلى الرأي المختار.
وكذلك فإنه قد جعل في هذا الكتاب فوائد وفرائد مثل: دفع شُبَه وتوهمات، وقد أثنى العلماء على الكتاب، وقال أحمد بن مهدي: "أردت أن أكتب كتاب الأموال لـ أبي عبيد فخرجت لأشتري ماء الذهب -يعني: من نفاسة الكتاب يريد أن يكتبه بماء الذهب- فلقيت أبا عبيد فقلت: يا أبا عبيد! رحمك الله، أريد أن أكتب كتاب الأموال بماء الذهب، قال: اكتبه بالحبر فإنه أبقى، أي: ماء الذهب مع الوقت ينمحي".
وقال ابن حجر: "وعن بعضٍ: كتابه في الأموال من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده".
وهذا الكتاب أيضاً تُنُوْوِل بالشرح والاختصار، ومَن جاء بعده، مثل: ابن زنجويه في كتاب الأموال قد أكثر النقل عن أبي عبيد رحمه الله تعالى.
أيضاً له مصنفات أخرى في الفقه: ففقه أبي عبيد -رحمه الله- مما نُثِر في الكتب ونَقَله العلماء، فإذا نقلوا أقوال الشافعي وأحمد وغيرهما، فإنهم ينقلون: وقال أبو عبيد، فهو من أصحاب الأقوال المنقولة.
والآداب:- فـ أبو عبيد -رحمه الله- قد ألف كتاب آداب الإسلام، وألَّف في الخطب والمواعظ أيضاً، وهذا مما يدل على سعة تصنيفه.
في علوم اللغة:- لا شك أن له فيه مؤلفات.
وألف أيضاً في أمثال العرب، فقد ألف كتاب الأمثال السائرة.
وكذلك ألف رحمه الله في النحو.
وفي التاريخ والأنساب، حتى ألف في أنساب الخيل.
وكذلك فإن هناك أقوالاً في فقهه يمكن أن نذكر منها بعض الأمثلة، ما دام الرجل -رحمه الله- لم يتبع مذهباً معيناً كما قلنا، كان مستقلاً باجتهاده، وكان يراجع نفسه في المسائل، ويغير رأيه بناءً على ما يتبين له، وهذا يدل على التجرد، فلا يقول: أنا قلت كلمة ولا أغيرها.
يقول عباس بن محمد الدوري: سمعت أبا عبيد يقول: وسئل عن الفُقَّاع -وهو نوع من الشراب يُتَخَّذ من الشعير- هل هو مسكر محرم أم لا؟ فقال: كان لي فيه قولٌ، أي: كنت أرى -مثلاً- بالمنع، فإذا هو يفسد بعد ساعة أو ساعتين، فعلمتُ أنه ليس به بأس؛ لأن الخمر لا يفسد؛ الخمر يبقى خمراً؛ لكن إذا كان يفسد، فمعناه: أنه ليس بمسكر وليس خمراً، فرأيه في هذا الشراب تحول وانتقل.
ومن اللطائف التي حصلت له في تغيير رأي فقهي قصة: قال: كنت أفتي أن من نام جالساً لا وضوء عليه، حتى خرج إلى جنبي يوم الجمعة رجلٌ فنام فخرجت منه ريح، فقلت: قم فتوضأ، فقال: لَمْ أنَمْ، فقلت: بلى، وقد خرجت منك ريحٌ تنقض الوضوء، فجعل يحلف أنه ما كان ذلك منه، وقال لي: بل منك خروج ذلك فتركتُ ما كنتُ أعتقد في نوم الجالس، وراعيت غلبة النوم ومخالطته للقلب.
أي: أن النوم جالساً يمكن أن ينقض الوضوء، وأن الإنسان إذا غاب عنه الوعي تماماً؛ فإن وضوءه ينتقض حتى لو نام جالساً.