إن المسلمين يعانون في العالم أفراداً وجماعات من الاضطهاد والتعذيب، وقضايا الفقر، وهيمنة الأعداء والتسلط، وأنواع الظلم وسلب الحقوق، إنهم يعانون من الظلمة الذين يسوسونهم بغير شرع الله، وتعم مدنهم وبلدانهم المنكرات، ويراد منهم بالقوة أن ينحرفوا عن شرع الله، وكلما رفع بعضهم رأسه جاءت ضربة لتذهب بهذه الرءوس المرفوعة، مما يجعل المسلمين يعيشون في أجواء من الإحباط والانهيار النفسي، وبعضهم قد يكون من النوع الانفعالي العصبي الغضبي، فيثور ويغضب ويحدث من ذلك نتائج لا تحمد عقباها، فما هو موقف المسلم حيال ذلك؟ هل المطلوب تجاه كثرة المنكرات الشائعة، وتوالي حدوث الأحداث التي يدبرها المنافقون والعلمانيون في العالم الإسلامي وغيرهم من أذناب الكفار هو برودٌ تام، وعدم إحساس، ولا تفاعلٍ؛ أم أن المطلوب ثورة وهيجان ضد هذا الظلم؟! إن هذه القضية هي التي تشغل بال الحريصين والمتفقهين في الدين من المصلحين المخلصين في العالم الإسلامي اليوم، وإن هذه القضية هي لب المشكلة التي نعيش فيها، إن فهمها يُسهّل معرفة الموقف الصحيح من المشكلات التي يواجهها المسلمون اليوم.
وإن من الخطأ الكبير أن نقول للمسلمين ولشباب المسلمين بالذات الذين هم إلى الحركة والنشاط أقرب: هونوا على أنفسكم ولا تأبهوا لما يدور حولكم، وإن الله سينصر الدين فلا تكترثوا.
كلا والله.
إن هذا الكلام هو من اللهو والباطل، وإنه ليس من الصحيح أن تستقبل متحمساً ينقل إليك منكراً من المنكرات، أو يشكو إليك ظلماً من هذه المظالم الكثيرة التي تقع في المسلمين صباح مساء فتقول له: هون على نفسك واجلس في بيتك ولا تتدخل في أي شأن من الشئون، وإنما يكون من المناسب أن يؤخذ بيده فيقال له: تعال ننظر في الوسيلة المناسبة لمواجهة هذا المنكر، ثم تفكر معه في الوسيلة المناسبة لمواجهة هذا المنكر الذي يحدث.
لأنك عندما تقول: هون على نفسك ولا تشتغل بشيء، فإما أن يدفعه ذلك إلى الإحباط وهذا أمر لا نريده، أو يدفعه ذلك إلى التمرد والانصراف عنك والسخرية من حكمتك التي جاءت في غير محلها، مما يدفعه إلى التفكير في قضية من قضايا العنف أو استخدام القوة المذمومة في غير محلها فتكون أنت السبب الذي أديت به إلى تلك الحال.
ونحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة ونتطلع لفجرٍ قادمٍ بإذن الله، وإن هذه الظلمة التي ادلهمت واشتدت وإن كثرة المنكرات التي حصلت والتي تستفز نفوس المؤمنين فعلاً لا بد من معرفة الموقف المناسب حيالها، وقد بينا أنه لا بد أن ننفعل، وأن الذي لا ينفعل إنسان بارد لا نريده، وإن الذي لا يتحرك ضميره ولا قلبه مع مشكلات المسلمين وما يحل بهم مع الأوضاع المتردية هو إنسان لا يعيش هَمَّ الإسلام، ولا يصلح أن يحمل همَّ الإسلام وهو بهذا القلب البارد وهذه النفس الميتة، لكن ما هو الموقف اليوم وأنت ترى كلا الاحتمالين الخطيرين: الإصابة بالإحباط والقعود، أو التدهور في مهاوي العنف واستخدام القوة المرذولة غير محمودة العواقب.
كيف يصل شباب الإسلام إلى الحل الوسط أو الوسطية في مواجهة هذه الأمور؟ كيف يضبطون انفعالاتهم التي تحدث في أنفسهم من وراء تكرر المنكرات وكثرة حصولها وانتشارها، وكلما انتهت قصة ظهرت قصة جديدة، وكلما قام حدث لا يلبث أن يحدث حدث آخر، وهكذا تتوالى الأخبار من أنحاء العالم الإسلامي في عددٍ من حالات الأذى والاضطهاد التي يلاقيها المسلمون من منعٍ وقمعٍ وحيالةٍ بينهم وبين القيام بشرع الله عز وجل، فما هي الطريقة يا ترى وما هو الحل لأجل ذلك؟