[سماع القرآن لا يجتمع وسماع الشيطان]
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، هو السميع العليم هو السميع البصير سبحان الذي وسع سمعه الأصوات! أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا يشغله سمعٌ عن سمع، ولا يشغله صوتٌ من أصوات عباده عن صوت آخر، ولا يشغله دعاء واحد عن آخر، فهو يسمع الجميع سبحانه وتعالى، يسمع أصواتهم على اختلاف لغاتهم، وتنوع حاجاتهم، فيجيب هذا، ويمنع هذا، ويؤخر هذا، ويثيب هذا سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، سمع كلام الله فأسمعنا وبلغنا وأدى إلينا، صلى الله عليه وعلى أصحابه وآله وذريته الطيبين الطاهرين.
عباد الله! إن مما يجب أن يشغل أسماعنا: سماع العلم سماع الآيات سماع أخبار المسلمين سماع فتاوى أهل العلم سماع الدين سماع كل ما يحيي القلوب، ومما يجب صرفه: سماع الغناء والحرام.
نريد سماع الآيات لا سماع الأبيات، وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان، وسماع كلام الأنبياء والمرسلين لا كلام المغنين والمطربين، فهذا السماع سماعٌ يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائقٌ يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، ومحركٌ يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات (إني أحب أن أسمعه من غيري).
وطريقة الصحابة في التلاوة أن يقرأ أحدهم والباقون يستمعون، ولا شك أن القلب يا عباد الله! يتأثر بالسماع بحسب ما فيه من المحبة، فإذا امتلأ من محبة الله، يرغب في سماع كلام المحبوب، والإنصات إليه، والتفاعل معه، وأما إذا كان مملوءاً بالعشق والفسق، فإنه يريد سماع الأغاني والطرب، وحرامٌ على قلب تربى على سماع الشيطان أن يجد شيئاً من ذلك في سماع القرآن، بل إن حصل له نوع لذة، فهو من قبل الصوت المشترك، هذا لحن قارئٍ جميلٍ، وهذا لحن أغنيةٍ جميلةٍ، فهو من قبل الصوت المشترك، ولذلك تراهم يطربون عند سماع القارئ ويقولون: الله الله ونحو ذلك من الأفعال المبتدعة لإعجابهم بصوته ونغمته وسحبته، لا لمعنى ما يقول ويقرأ، مثل طرب بعض الناس لما يسمعون أصوات بعض المقرئين الذين تفننوا بتنزيل صوتهم في القرآن على ألحان الأغاني، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وما اعتاده أحدٌ إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، فما اجتمع في قلب عبدٍ محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى ولو بعد حين.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء، وسماعه وتطربهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأ، فلا تتحرك، ولا تخشع، فإذا جاء قرآن الشيطان، فلا إله إلا الله كيف تخشع الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع طيب السهر، وتمني طول الليل".
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفةً لكنه إطراقُ ساهٍ لاهِ
وأتى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا لأجل اللهِ
دفٌ ومزمارٌ ونغمةُ شادن فمتى شهدت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النسوان عند ملاهي
واحكم فأي الخمرتين أحق بالـ تحريم والتأثيم عند اللهِ
اسمع كلام الله، اسمع عذر إخوانك، اسمع شكوى المراجع أيها الموظف، السماع إذاً كثيرٌ طيبٌ، لكن من الذي يفعله؟! أما سماع المعصية، سماع البدعة كسماع الصوفية وترانيمهم، وسماع أغانيهم في الموالد، فلا.
وسماع الاحتفالات في الموالد، فلا.
قال القشيري: سمعت أبا عبد الله السلمي يقول: دخلت على أبي عثمان المغرمي ورجلٌ يستقي الماء من البئر على بكرة، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أتدري ماذا تقول هذه البكرة؟ فقلت: لا.
قال: تقول الله الله.
هذا هو شُغل الصوفية البكرة تقول الله الله، صوت الماء يسحب على البكرة يعني: الله الله وهكذا.
أيها المسلمون! نسأل الله أن يدخلنا الجنة، فإننا إذا دخلنا الجنة فلن نجد أحلى ولا أعظم نعمة من رؤية الرب وسماع كلامه، ولذلك ليس في نعيم أهل الجنة أعلى من رؤيتهم وجه الله وسماع كلامه، وكذلك سماع غناء الحور العين الذي يكون ثواباً لمن امتنع عن سماع الغناء في الدنيا، قال الله في وصف أهل الجنة ونعيمهم: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم:١٥] يحبرون: يسمعون غناء الحور العين.