وهذا ابن سيرين العالم إذا سئل عن الحلال والحرام تغير لونه حتى نقول: كأنه ليس بالذي كان، وذلك ورع من الفتيا، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يبر أمه ولم ير رافعاً صوته عليها قط، كان إذا كلمها كهيئة المصغي إليها، وكان إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه ظن أن به مرضاً، من شدة ما يخفض صوته عند أمه.
هذه طائفة من سيرة أولئك النفر الذين قيضهم الله لحمل دينه ونشر دعوة نبيه، ضربوا لنا الأمثال في التقوى والورع والزهد والعبادة والتعليم والشجاعة والجرأة والجهاد والصبر وبر الوالدين والآداب العظيمة، هؤلاء أيها الإخوة حري بنا فعلاً إن كنا نريد أن نكون اليوم نحن حملة الرسالة، وأن نكون نحن من الطائفة التي يكون إنقاذ الأمة على أيديها، أن نبلو أخبارهم وأن نقتدي بهم، وفي التاريخ سطر كثير من العبر من حياة أولئك القوم، وإن تربية لا تأخذ في عين الاعتبار سير أولئك الكرام لهي تربية ناقصة، ونحن اليوم أشد ما نكون إلى معرفة هذه السير للتأسي والعمل، نحن بأشد حاجة إلى تربية متكاملة، ولذلك كنا نقول اليوم: جوانب التكامل في شخصيات السلف تربية متكاملة لا تركز على العبادة فقط، ولا على العلم فقط، ولا على الآداب فقط، ولا على الجهاد فقط، ولا على العقيدة وأمورها النظرية فقط، وإنما تلم كل ذلك وتحويه، وكل نقص في أبناء الإسلام اليوم مرده إلى عدم التكامل في التربية، وضعفت هذه التربية، ولن نستطيع أن نجابه كفار الشرق والغرب بنفوس مهلهلة وضعيفة، ونحن نعلم أن الدنيا ما فتحت لأسلافنا إلا لما كان فيهم أمثال من ذكرنا، في صفات أعظم، وما ذكرنا قطرة من بحر، ولذلك فإننا نرى اليوم ونحن نتطلع إلى فجر إسلامي قادم، أن طلائع الصحوة هذه لا يمكن أن تثبت وأن تؤدي دورها في العالم الآن إلا إذا ربيت التربية على منهاج هؤلاء السلف، وتخلقت بمثل أخلاق أولئك السلف.
وإن الوصية العظيمة في الاقتداء بهم والتأسي بأفعالهم لهي أمر متعب جداً؛ لأن جمع الفضائل لا يطيقه كل أحد، فإن الإنسان قد يجمع فضيلة أو فضيلتين، وقد ينشط في نوع من أنواع العبادة، أو يتجلد في بعض مجالس العلم أو في قراءة كتاب أو كتابين، لكن الجمع والتكامل مع الاستمرار على ذلك هذا هو الذي في غاية الصعوبة، وهو الذي نحتاج إليه اليوم في أشد الحاجة.
وإننا أيها الإخوة في هذا العصر الذي ضعف فيه أهل الإسلام لنرى من بصيص الأمل والنور أمراً كبيراً ولله الحمد، في أن الله سبحانه وتعالى لن يخلي هذه الأمة من مجددين ومجاهدين ومصلحين، ونحن نسمع اليوم من أخبارهم في الواقع من جرأتهم وجهادهم وصبرهم ودعوتهم ما هو فعلاً أمل في الله كبير بأن ينصر الإسلام وأهل الإسلام، ولكن نرجو أن نكون نحن من هؤلاء، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن لهم حظ وافر من نصر الدين وأهله، وأن يجعلنا ممن يحملون لواء هذا الدين ويتبعون سنة سيد المرسلين.