للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين حب الرئاسة وطلبها]

السؤال

هل معنى الكلام الذي ذكرته في المحاضرة الماضية أن الشاب الملتزم أو المرأة، أو الشخص المسلم إذا حانت له فرصة رئاسة أو وظيفة فيها رئاسة يستطيع فيها أن يصلح الأوضاع، ويغير المنكرات، ويمنع عدواً للإسلام وأهله من الوصول إلى هذا المركز، هل معنى المحاضرة السابقة أن يترك المنصب من أجل خطورة حب الرئاسة وخطورة الرئاسة؟

الجواب

الحقيقة أني قد أجبت على هذا الإشكال أو هذا السؤال في المحاضرة الماضية عندما قلت: إذا كان يخشى أن يدخل في المنصب عدو من أعداء الله يضر المسلمين يجب عليك أن تتقدم أنت إلى المنصب وتقطع عليه الطريق، وقلت أيضاً: إن الذي يستطيع أن ينفع المسلمين بمنصب يصل إليه فيدرأ عنهم شراً ويجلب لهم خيراً، وهو أحسن من يوجد، وممن يمكن أن يصل إلى هذا المنصب، فعليه أن يدخل فيه، وتكلمنا عن قضية يوسف عليه السلام ووضحنا أيها الإخوة، فأرجو أن لا يكون هناك لبس في هذه المسألة أبداً، أنا لا أزهد الإخوان الذين يستطيعون أن يصلوا إلى مناصب ويعملوا فيها الخير، ويدرءوا عنها الشر، ويقطعوا بها الطريق على أعداء الله، لا أزهدهم فيها أبداً، بل أقول: هو من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثمنا كلنا، كل من يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يفعله فهو آثم.

فإذاً التزهيد في الرئاسة التي تجلب الضرر، والتي يكون فيها ظلم لإخوانك، والتي يكون فيها غمط لأصحاب الحقوق، والتي يكون من هو أفضل منك وتنافسه عليها، اسمع مني هذا الكلام: حب الرئاسة المذموم من أحواله أن يكون هناك من هو أفضل منك وأحسن وأنفع وأعلم وأتقى، فتنافسه عليها، بل يجب أن تقدمه هو، ولا يأخذنك حب الرئاسة فيحملك على منافسته والسعي لأخذ الوظيفة منه أو المنصب أو الدرجة، لو وصل إليها لنفع الإسلام أكثر منك، عنده قدرات وتقوى وعلم أكثر، هذا الذي يقدم، أما لو تنازعت الأمور فصرنا بين تقي ضعيف وفاجر قوي فننظر إذا كانت مصلحة المسلمين في تقديم من فيه فسق لنفسه، وهو قوي ينفع الإسلام، والتقي ضعيف لا ينفع الإسلام، مثل أمير الجهاد.

كما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إذا كنا مخيرين بين اثنين واحد قوي يكون من أسباب النصر ولكن فيه فسق، والثاني تقي لكنه ضعيف لا يحصل الانتصار به وليس من أسباب النصر، في هذه الحالة مصلحة المسلمين في تقديم الأقوى مع فسقه؛ فإن فسقه على نفسه من أجل مصلحة المسلمين العامة، ولذلك يقول عمر رضي الله عنه: [اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة] يأتي واحد قوي يملأ المكان وثقة عاجز دائماً، الذي يملأ المكان فيه فجور، وهذا الذي عنده تقوى ضعيف، فهنا المسألة مسألة موازنات يصل إليها أولو الألباب.