[حوار مع من جرفه تيار المجتمع]
أيها الإخوة! هذا المجتمع يشدنا إلى الأثقال وإلى الوحل الدنيوي والطين المادي، الذي يحجبنا عن نور الهدى والتمسك بشعائر الله وشرائعه، وفي هذا المجتمع تسود عاداتٌ وتقاليد بعيدة عن الحق كل البعد عادات وتقاليد منافية للإسلام، ومنافية للدين، وأعراف سائدة مخالفة لشرع الله عز وجل، أنت محكومٌ بها ومسيطرٌ عليك بها، ماذا تفعل لمواجهة هذه الأشياء؟ كثيرٌ من الناس من أصحاب النفوس الضعيفة، تأسن نفوسهم، وتضعف مقاومتهم أمام هذه الأشياء السائدة المخالفة لشرع الله عز وجل، ولذلك فإنهم يسيرون مع التيار، يسبحون معه، وهم إمعات!! كل واحد منهم يقلد تقليد الأعمى، هنا نقف موقف نقاشٍ ومسائلة مع هذا الرجل الذي جرفه تيار المجتمع عموماً من الأشياء التي ذكرناها، ونقول له: أنت إذا رأيت طريق الشر مليئاً بالناس، وطريق الخير ليس فيه إلا القلة، فهل تكون القلة والكثرة هي الميزان والمعيار الذي تقيس به الأمور والذي تسير وراءها، هل القلة والكثرة هي الأشياء المؤثرة في اختيار الطريق الصواب؟ لا يغرنك كثرة الهالكين، ولا قلة السالكين؛ فإنه يجب عليك -يا أخي المسلم- أن تتبع الحق، كما قال ابن مسعود رحمه الله: [الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك] الجماعة ما وافقت طاعة الله، لا تقل لي: إن أبي يفعل كذا، والأسرة تفعل كذا، والمجتمع يفعل كذا، وهذه هي الأعراف وهذا هو السائد، وهذا هو المتعارف عليه، هل تريدني أن أخالف هؤلاء كلهم؟ أي: إن هذه الحجة لا يقبلها الله عز وجل يوم القيامة، بل إنه سيسألك أنت كفردٍ ولن يسأل المجتمع {وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:٨٠] ويحاسب الإنسان أمام الله عز وجل محاسبة فردية.
فإذاً: أسألك سؤالاً يتعلق بالدنيا: لو أنك رأيت مشروعاً فدرسته فوجدته خاسراً، مثل: شركة استثمار، فدرست حالها ووضعها؛ فوجدت المشروع خاسراً، ولكن أغلب الناس منكبين على هذه الشركة يشترون أسهمها، ويشاركون فيها، وهي تعطي أرباحاً، ولكن لما درست الأحوال وجدت أن هذه الأرباح مؤقتة، وأن هذه الشركة بعد فترة قصيرة ستذوب وتنهار وتصبح الأمور خسائر في خسائر، هل تسير مع الناس وتشتري أسهم هذه الشركة وتشارك فيها بحجة أن أكثر الناس مشتركون ومشاركون في هذه الشركة! إن العاقل سيقول: كلا.
إنني لن أقدم على هذا العمل؛ لأن أكثر الناس فعلوا ذلك؛ فإذا كان هذا موقفك -يا أخي المسلم- في تجارة دنيوية، فكيف يكون موقفك وأنت في هذه المسألة العويصة الشائكة الدقيقة العصيبة التي هي من أمور الآخرة والتي ينبني عليها دخولك في الجنة أو النار.
إذاً ليس بالضرورة أن ما يفعله الناس هو الصحيح، كلا.
بل إن أكثر ما يفعله الناس خطأ، ومخالف لشرع الله ومنهجه، فلا تحتج بالكثرة أبداً، ولا يحملنك التعصب للعادات والتقاليد والأعراف السائدة على متابعة هذه الأشياء، بل إنك يجب أن تفكر بروية، تفكر وأنت تواجه هذه المشاكل! كيف التزم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخطار تحدق بهم من كل جانب؟ كيف التزم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام والمغريات من حولهم كثيرة؟ كيف التزم صحابة رسول صلى الله عليه وسلم والشهوات والشبهات والشرك يحيط بهم من كل جانب؟! بل إن ضغط المجتمع على الصحابة في العهد المكي كان ضغطاً قوياً جداً بحيث أنه قد يخرج الإنسان عن دينه.
كيف صمد صحابة رسول صلى الله عليه وسلم أمام هذا الضغط؟! كيف أصبحوا قمماً وقادة؟! كيف أصبحوا علماء وأئمة يهتدي بهم من بعدهم بالرغم من هذه الصعوبات والمخاطر والمخاوف والضغوط؟ إن ذلك المجتمع هو قدوتنا الذي يجب أن نقتدي به، وأن نتابع الحق أينما وجد، وألَّا نخشى في الله لومة لائم.
كذلك أيها الإخوة! ينبغي أن نتنبه إلى مسألة تتعلق بكون الزوجة عائقاً، أقول: الزوج معرض لأن يسير كثيراً في طريق الهدى، فالرجل يستطيع أن يحتك بأجواء كثيرة طيبة، فهو يذهب إلى المسجد، ويستمع إلى خطب الجمعة، وإلى الدروس، ويخالط أناساً كثيرين قد يكون فيهم من أهل الصلاح والتقوى عددٌ لا بأس به، لكن المرأة التي تكون غالباً موجودة في البيت، تكون الأجواء التأثيرية التي تتعرض لها قليلة، لذلك يجب على كل رجلٍ أن يحسب حساباً لهذه القضية، وألا يستعجل من زوجته الثمرة قبل النضوج، ولا يطالبها بمستوى إيماني مثل الذي وصل إليه، والمؤثرات ليست حولها كما صارت حوله.
بل إنه يجب عليه أن يقوي نقاط الضعف فيها، وأن يحرص على تكثير المؤثرات الإيجابية التي تحيط بها حتى تسلك زوجته نفس الطريق، فالرجل من السهل أن يستمع إلى الخير، أو يجد الخير، لكن المرأة قد تكون عندها صعوبة في هذا الجانب، فلا بد أن يهتم الزوج بهذه النقطة ولا يطالب زوجته أن تصل إلى ذلك المستوى الذي وصل إليه في وقتٍ قصير وهو قد وصل إليه بسبب مؤثرات كثيرة لا تملكها زوجته.
فيجب عليه يحيطها بأكبر عدد من المؤثرات حتى تلتزم هذه الزوجة، أما بالنسبة للزوجة المسكينة التي ابتليت برجلٍ شرير، فإنه إن كان كافراً مصراً على كفره؛ فإنه يجب عليها أن تفارقه، وأما إن كان رجلاً فاسقاً لابد لها من الصبر على هذا الرجل والمحاولة معه، ومع العلم بأن قوة التأثير في جانب المرأة أقل، إلا أنه لا بد لهذه الأخت المسلمة من بذل الجهد علَّ الله أن يهدي زوجها على يدها، فتكون قد أدت خدمةً عظيمة جليلة لبيتها ولدينها.