والمحبة -أيها الإخوة- كغيرها من أعمال القلوب تزداد بالطاعة وتنقص بالمعصية.
فالذي يعمل المعاصي لا نقول: إنه لا يحب الله مطلقاً! هذا خطأ، وإنما يقال: هو يحب الله على قدر أعماله الصالحة.
والذي تزداد طاعته لا نقول: إنه بلغ الْحَد الأعلى، وعنده بعض الْمَعاصي، نقول: إنه يبلغ من الْمَحبة بقدر أعماله الصالِحة.
ما هو الدليل على هذا؟ الدليل ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب:(أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُضْحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب -يعني: في الخمر - فأتي به يوماً فأُمر به فجلد، فقال رجل من القوم -من الصحابة-: اللهم العنه، وقال أحدهم: قاتلك الله! ما أكثر ما يؤتى بك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله) أو كما قال عليه السلام.
الله عز وجل أطلع الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي على أن هذا الرجل فيه حب لله، حتى لو فعل هذه المعصية، ما زال فيه حب لله، لكن الذي تنتفي منه محبة الله نهائياً هذا كافر.
والذي يرتكب بعض المعاصي، ويكون فيه حب لله بقدر الطاعات التي يؤديها، فإن محبته تنقص بقدر المعاصي، كلما عمل معاصي أكثر نقصت المحبة أكثر، حتى يصل إلى درجة والعياذ بالله إذا صارت أعماله معاصي في معاصٍ، وليس هناك طاعات، إلى درجة الكفر.
بعض الناس عندهم حجج! يأتي ويقول: كيف تريدني أن أكره الخمر والله أوجدها في الدنيا؟! ولو كان الله لا يحب الخمر لما أوجدها في الدنيا، كيف تريدني أن أمتنع عن الزنا والله قدر علي هذا الشيء؟! ولو كان الله لا يحب هذا لما قدره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:" ناقشتُ بعض هؤلاء الذين عندهم هذا المنطق، فقال لي -هذا الرجل المارق الملحد- قال: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب -يعني: المحبة تحرق كل شيء إلا الذي يريده الله، فأي شيء موجود معناه أن الله يحبه، بزعم الرجل هذا- والكون كله مراده، فأي شيء أبغض منه؟! قال: فقلت له: فإذا كان المحبوب -يعني: الله عز وجل- قد أبغض بعض ما في الكون، فأبغض قوماً ومَقََتَهم ولعنهم وعاداهم -أبغض شُرَّاب الخمر، وأبغض الزانيات، والزواني، والذين يأكلون الربا، والكفار، والمشركين، أبغضهم ولعنهم ومقتهم، فجئت أنت وواليتهم وأحببتهم تكون موالياً للمحبوب؟! -يعني: لله عز وجل- موافقاً له، أم مخالفاً له ومعادياً؟! قال: فكأنما أُلْقِمَ حجراً ".
إن الله عز وجل خلق بعض الأشياء فتنة للناس:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}[الفرقان:٢٠] لماذا خلق الله عز وجل الشر والخير؟ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال:٣٧] لو لم يكن هناك شر فإن كل الناس سيدخلون الجنة، بدون تميير؛ لأنك لا تميز الخير من الشر، فالله عز وجل له حكمة في خلق الشر، حتى تتميز النفوس، وإلا لم يصلح الناس لدخول الجنة:(ألا إن سلعة الله غالية) ليست رخيصة حتى يدخلها كل واحد، لذلك هناك أناس سيدخلون في جهنم ويخلدون فيها، وأناس سيحترقون ثم يخرجون إلى الجنة بحسب الإيمان والكفر ودرجاتهما.