للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استغلال الوقت في النافع والمفيد والأهم]

الآن نحن عرفنا كيف نوفر الأوقات، ولكن السؤال الأهم: ماذا نعمل في هذه الأوقات التي وفرناها؟ نقول: أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك في كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها كما قال ابن القيم رحمه الله: إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته.

بعض الناس يقول: هل الأفضل أن أستغل وقتي في الصلاة أو في قراءة القرآن أو حفظ العلم، أو في الدعوة، أو مساعدة أخ مسلم ماذا أفعل؟ أحياناً يضطرب الإنسان في تحديد الشيء الذي يملأ به وقته، فنقول: اسمع هذا الكلام للإمام ابن القيم رحمه الله يقول: فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهاد، وإن آل ذلك إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً القيام بحقه أي: إذا جاء أحدهم ضيف، تجده يقول: والله إنًّ قراءة القرآن أنفع لي، فالحرف بعشر حسنات، وهذا الضيف دعه يذهب إلى الفندق أو المطعم وهذا أحسن له وأحسن لي، نقول: لا.

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).

لو جاء لزوجتك وأولادك حق عليك في شراء حاجيات يريدونها؛ فلا تقل: أريد أن أنزل إلى السوق فإن فيه مفاسد وهذه الأشياء مادية فاتركني أذهب إلى الصلاة أفضل لي.

والأفضل في أوقات السَّحَر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار، والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام ترك خطبة الجمعة لكي يعلم أعرابياً جاء يسأل عن دينه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرسي، فقعد عليه في أصل المنبر وعلمه.

فالأفضل في كل وقت بحسب الشيء القائم في ذلك الوقت.

فإذا أذن المؤذن أيهما أفضل قراءة القرآن أو إجابة المؤذن وقراءة القرآن الحرف فيه بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف؟ يبقى الأفضل ترديد الأذان، والأفضل في أوقات الصلوات الخمس إقامتها على وجهها الصحيح، والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج المساعدة بالجاه أو البدن أو المال وإغاثة اللهفان ولو أدى ذلك إلى ترك الأوراد والأذكار وقراءة القرآن، وليس الأفضل في وقت الوقوف بـ عرفة شراء البيبسي والبارد والتسكع والتجول في الشوارع وبين المخيمات؛ ليأخذ فكرة عن الحج وعدد الحجاج، يدخل في بعثة الحج الفلانية ويطلع في البعثة الطبية الفلانية ويحضر من هنا، والوقت الآن وقت تفرغ للعبادة والدعاء.

والأفضل في العشر الأواخر من رمضان الإقامة في المسجد والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى لو كان تعلم علم فالاعتكاف أولى.

وعند مرض المسلم الأولى عيادته، وعند موته الأفضل حضور الجنازة والتشييع، وعند فساد الناس الأفضل الاشتغال بإصلاحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل.

إذاً: عرفنا أنه إذا توفرت عندنا الأوقات؛ فإننا نشغلها بالأهم في كل وقت، ومن الأشياء المهمة معرفة الأولويات ما هو الأولى؟ ما هو الذي نقدمه على أي شيء؟ مثلاً في طلب العلم:

وإذا طلبت العلم فاعلم أنه حمل فأبصر أي شيء تحمل

وإذا علمت بأنه متفاضل فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل

العلم إن طلبته كثير، والعمر في تحصيله قصير، فقدم الأهم فالأهم، لو أتيت تريد أن تنهي العلم لا يمكن، ينتهي عمرك ولا ينتهي العلم فماذا تفعل؟ تشتغل بالأهم، ومن شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم.