والمسألة الثالثة العقدية في هذا الموضوع: أن الكلام في المواضيع هذه ينبغي أن يكون منطلقاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد يستغرب البعض ما علاقة موضوع التوبة بعقيدة أهل السنة والجماعة، وربما يقول: أنت تريد أن تقحمها إقحاماً، أقول لك: كلا يا أخي! وأنا أبين لك إن شاء الله مثلاً: من المواضيع المتعلقة بالتوبة والملتصقة بها التصاقاً شديداً قضية مفهوم الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، هذا المفهوم هو عقيدة أهل السنة والجماعة، من تفاصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه يزيد وينقص.
إذا كنا من المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأنك أنت يا أيها المسلم كامل الإيمان، إذا أنت معتقد أنك كامل الإيمان ما الذي سيدفعك إلى التوبة والاستغفار؟ إذا لم تعتقد أن الإيمان يزيد وينقص ما الذي يدفعك في لحظات الضعف أن تبادر مستغفراً لله عز وجل طالباً منه المعونة؟ فإذاً: مثل هؤلاء المرجئة اللعَّابين بالدين كما قال الشاعر:
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح
إذا كنا من هؤلاء من أصحاب هذه العقيدة فما الذي سيدفعنا إلى التوبة؟ وما الذي سيجعلنا نتحسس نقص الإيمان في قلوبنا؟ مرتبطة وقضية التوبة مرتبطة أيضاً بجانب آخر من العقيدة وهي مسألة الأسماء والصفات، فإذا لم نفقه قضية توحيد الأسماء والصفات، فما الذي يجعلنا نتجه إلى التوبة ونحن لا نعرف معنى الرحمن ومعنى الرحيم؟ ما الذي سيلجئنا إلى التوبة ويدفعنا إليها ويجذبنا إلى هذا الباب الإيماني الواسع ونحن لا نفقه معنى التواب، أو الحليم، أو السميع الذي يسمع آهات التائبين وأناتهم وهم يصرخون مستغيثين بربهم؟ وما الذي سيدفع الإنسان إلى الخوف من الله فيتوب وهو لم يعقل بعد أن الله شديد العقاب؟! إذاً: أيها الإخوة المسألة فيها تكامل، ومن الناحية الأخرى نجد أن الناس الذين لا يعتقدون بالعقيدة الصحيحة وأن عندهم أنواعاً من الشركيات عندهم في باب التوبة انحرافات خطيرة، فمثلاً: بعض غلاة الصوفية يتوب الفرد منهم في ذلك الطريق الصوفي يتوب إلى شيخه وليس لله عز وجل، ولذلك عندهم شيء اسمه: التوبة للشيخ، قال ابن القيم رحمه الله: وهذا شرك عظيم.
وملاحظة أخرى أيضاً: أن هذا الكلام أو هذا الدرس هو موجه للصادقين في توبتهم وليس إلى المستهترين ولا إلى المصرين، ولهذا -أيها الإخوة- تعمدت أن أترك أحاديث صحيحة مهمة في باب التوبة خشية أن يفهم بعض ضعاف النفوس غير المقصود الصحيح عند عرضها، وبهذا نصحني بعض أفاضل العلماء وأنا أتباحث معه في بعض هذه الأحاديث.