ولما حضر معاذ بن جبل الموت، قال:[انظروا هل أصبحنا، قيل: لم نصبح، ثم أتي، فقال: قد أصبحت، فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغيب، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، -أي: في قيام الليل- ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر] وجلس عند تلميذ له يقال له يزيد بن عميرة السكسكي، فحدث عنه أن معاذاً لما حضرته الوفاة، قعد يزيد على رأسه يبكي، فنظر إليه معاذ، فقال:[ما يبكيك؟ فقال له يزيد: أما والله لا أبكي لدنيا كنت أصيبها منك، ولكني أبكي لما فاتني من العلم، فقال له معاذ: إن العلم كما هو لم يذهب، فاطلب العلم من بعدي عند أربعة: عند عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وعويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسي] وقبض معاذ ولحق يزيد بـ الكوفة، فأتى مجلس عبد الله بن مسعود، فلقيه، فقال له ابن مسعود:[إن معاذ بن جبل كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ].