[طول الأمد والوقت]
يقول الله عز وجل في القرآن: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].
إذاً طول الأمد والوقت.
أحد الناس ابتعد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة فكان هذا مدعاة لضعف الإيمان في نفسه، فمثلاً -أيها الإخوة-: أحد الناس ابتعد عن إخوانه في الله فترة طويلة لسفر أو لوظيفة أو لأي شيء، صار عنده انشغال، فابتعد عن إخوانه، والأخوة كما يقول الحسن البصري: [إخواننا أغلى عندنا من أهلينا، فأهلونا يذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكرونا بالآخرة].
عندما يبتعد الإنسان عن إخوانه، فإنه يفقد الجو الإيماني الذي كان يتنعم في ظلاله، ويستمد منه قوة قلبه، والمؤمن قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، والجو الذي يعيش فيه الأخ بين إخوانه في الله جو مهم جداً، فعندما يبتعد الإنسان عنه لفترة ويطول عليه الأمد يقسو قلبه.
الابتعاد عن القدوة، مثلاً: إنسان يتعرض لنفحات تربوية من أخ له في الله هو أعلى منه علماً وإيماناً، فيتربى تحت يديه، فإذا ابتعد عن هذا القدوة فترة من الزمن يقسو قلبه.
إذاً الابتعاد عن أهل التقوى، وعن القدوات الصالحة، والانشغال عنهم لسفر، أو وظيفة، أو أي شيء يسبب ضعف الإيمان.
صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي عليه الصلاة والسلام، واروه من هنا، وقالوا: فأنكرنا قلوبنا، يعني: بعدما واروا جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: أنكرنا قلوبنا، أحسوا بوحشة في قلوبهم؛ لأن المصدر -المعلم المربي- مات عليه الصلاة والسلام، وكما ورد في وصفهم في بعض الآثار: فكانوا كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة، كذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- أحسوا في وحشة في قلوبهم، مع أنهم من المحافظين على إيمانهم، أحسوا بوحشة مع أن فيهم: أبا بكر الصديق، وعمر وعثمان وعلي وقدوات كثيرة من الصحابة، لكنهم أحسوا بوحشة؛ لأن قلوبهم حساسة جداً.
الآن بعض الناس يبتعد عن إخوانه في الله، ويبتعد عن الأجواء الإيمانية، يحس بوحشة، لكن لا يتدارك الأمر، حتى تصير الوحشة شيئاً طبيعياً، ثم تحدث نفرة في قلبه من تلك الأجواء الإيمانية، يقسو القلب، ويضعف الإيمان فعلاً.
الابتعاد عن طلب العلم الشرعي، والاتصال لكتب السلف الإيمانية: كتب تحريك القلوب، فهناك أنواع من الكتب تحس وأنت تقرأ فيها بأنها تحرك قلبك بأنها تستثير الإيمان الكامن بأنها تحرك الدوافع الإيمانية في القلب.
من أفضل الأمثلة على هذه الكتب: كتب ابن القيم رحمه الله، تجد أنه يتطرق بشكل أو بآخر، ويعرض القضية بأسلوب إيماني.
بعض كتب الفقه فيها نوع من الجمود الإيماني في عرض الأحكام، بعض العلماء يتميزون بأسلوب إيماني حتى في عرض الأحكام، فكيف بالأشياء الأخرى؟! لذلك الانقطاع عن هذه الكتب، والإغراق في قراءة الكتب الفكرية فقط، أو كتب الأحكام المجردة عن الإيمانيات فقط، أو كتب اللغة والأصول -مثلاً- فقط من الأشياء التي تورث قسوة القلب أحياناً؛ لأنه انشغل بقرائتها عن قراءة الكتب الإيمانية الأخرى.
نحن لا نذم الناس الذين يطلعون في اللغة والنحو والأصول وغيرها، لا.
لكننا ننبه إلى أولئك الناس الذين أعرضوا عن كتب التفسير والحديث مثلاً، فلا تكاد تجده يقرأ في التفسير، ولا في الحديث، مع أن التفسير وأحاديث الصحيحين وغيرها من أهم الأشياء التي تصل القلب بالله عز وجل.
يا أخي! عندما تقرأ في الصحيحين -مثلاً- تحسن بأنك تعيش في أجواء العصر الأول، تحس كأنك تعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة، تتعرض لنفحات إيمانية، هذه سيرتهم وطريقتهم، هذه الأحداث التي جرت في عصرهم، تحس أنك تعيش فيها، تحس أنك فرد منهم.
فالوصية -أيها الإخوة- بقراءة كتب الأحاديث كتب السيرة، ومن الذين يتعرضون لهذا بشدة الذين يقرءون ويدرسون دراسات لا علاقة لها بالإسلام، مثل: الذين يدرسون الكتب التجارية، وفيها كلام عن الربا والبنوك، أو كتب علم الاجتماع والفلسفة، وككتب علم النفس البعيدة عن الإسلام التي فيها نظريات كثيرة تقسي القلب وكلام يقسي القلب، وأحياناً يأتي لك بأمثلة فلان وفلانة، وسكرتيرة وكذا وكذا، هذا لا بد أن ينتبه له.
الذين يدرسون في تخصصات الجامعات غير الشرعية، نعم هي تفيد المسلمين، لا نقول: لا تدرس، لكن انتبه وأنت تدرس في هذه الأشياء، فكثرة القراءة فيها تقسي القلب، لذلك الواحد لو أنه يذاكر للامتحان، ويقرأ في هذه الكتب، لا بد أن يتبع ذلك قراءة قرآن، أو قراءة في كتب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها، حتى يطري تلك القسوة التي عرضت له نتيجة القراءة في هذه الكتب، طبعاً قراءة القصص الخيالية، وقراءة قصص الحب والغرام، والمجلات، بعض الناس يغرقون في قراءة المجلات والجرائد، ويتتبع الأخبار من هنا وهناك، ومحطات تلفزيون، ويقول: أريد وعياً، لكن في حقيقة الأمر يقسو قلبه نتيجة لقراءة الأخبار، وقراءة هذه الأشياء، لأن بعض الجرائد والمجلات والأخبار ليس فيها شيء يربطك بالله، كلها أشياء تقسي القلب، ليس هناك شيء تجد فيه رقة لقلبك، ولذلك إذا داومت على سماع هذه الأشياء، وقراءتها أورثتك قسوة القلب فعلاً.