[الاهتمام بالقرآن]
رجل العقيدة يهتم بالقرآن الكريم في التربية، فإن بعض الناس يركزون على المواضيع الفكرية، أو الفقهية، أو العلمية البحتة وغيرها، وينسون كتاب الله عزوجل، ويقرءون كلام الأشخاص أكثر مما يقرءون كلام الله، ولذلك يصير اتصالهم بالأشخاص والمؤلفات أكثر من الاتصال بالقرآن الكريم؛ وهذا فيه نوع من الخطورة.
الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا منع في بادئ الأمر كتابة شيء غير القرآن؟ لأنه يريد أن ينصب اهتمام الناس على القرآن، ينطلقون منه ويسيرون عليه، وبعض الناس يتصورون أن القرآن لا يوفي جميع الأشياء، وهذا غير صحيح، فالقرآن كتاب أحكام، وكتاب تربية، وكتاب أخلاق، والقرآن يجمع أشياء كثيرة، وإذا أردت التربية فستجد هناك التربية بأنواعها بالقصة، وبالموعظة، وبالقدوة، وبالعقوبة إلى آخره.
ينبغي أن تكون دراسة رجل العقيدة للقرآن الكريم دراسة وافية عامة يدرس قصص القرآن وأمثاله، والعلاقة بينه وبين أسباب نزوله، وتسلسل الأحداث بالمكي والمدني؛ ليعرف مسيرة القرآن في تربية المسلمين، وما هي الأولويات؟ وبماذا يبدأ؟ وبماذا يتوسط؟ وبماذا انتهى؟ وأساليب الجدل والمناظرة في القرآن لمعرفة كيفية إفحام الخصوم وإقامة الحجة عليهم.
وكذلك دراسة نواحي الإعجاز في القرآن حتى يعظم في النفس، وكل علم قد يتندم الإنسان على الاشتغال به إلا دراسة القرآن والسنة.
كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
وكذلك فإن تدبر القرآن الكريم مهم.
يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً
فعليك بالنظر في هذا القرآن الكريم، والقراءة للكتّاب الذين يأخذون من القرآن ويستشهدون بالقرآن كثيراً، مثل: كتابات ابن القيم رحمه الله، فإنك تُحس أن العبارات حية، كثير الاستشهاد بالآيات والأحاديث، هذا الإمام العالم الرباني الذي يربط الناس بالقرآن والسنة، وليس أن تقرأ كتاباً فيه عشر صفحات ليس فيها آية ولا حديث.
ورجل العقيدة يُقارع الكفار والمبتدعة والفجار بالقرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما حدث لـ ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج، فإنه أول ما أتاهم أثنى على عبادتهم وعلى حسناتهم، ثم استفرغ ما لديهم من الحجج حجة حجة، وبعد أن قال: أفرغتم، وتأكد أنه ما بقي لديهم شيء بدأ يجيب عليهم ويرد على كل شبهة بدليل؛ يأخذ شبهتهم ويردها بدليل آية بآية حديثاً بحديث، وسيرة بسيرة وهكذا، ولم يَسْتَسِر ولم ينفعل لما انتقدوا شخصيته، بعض الخوارج لما رأوا ابن عباس قالوا: لا تناظروه فإنه من قريش، الذين قال الله فيهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٨]، فلم يغضب ابن عباس ويتركهم ويذهب، وإنما تحمل حتى أبلغهم الحق كاملاً.
قال الشافعي رحمه الله: قال رجل من الخوارج لـ علي رضي الله عنه وهو في الصلاة: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] فقرأ علي: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:٦٠].
وهذا الإمام أحمد رحمه الله لما سأله المبتدع: ما تقول في القرآن؟ قال الإمام أحمد: ما تقول أنت في علم الله؟ فسكت المبتدع؛ لأنه يعلم ما وراء السؤال.
قال الإمام أحمد: فقال لي بعضهم: أليس الله تعالى يقول: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦] والقرآن شيء، قال الإمام أحمد: قال الله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:٢٥] ألم تبق أشياء لم تدمر.
قال المبتدع: أليس قد قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الزخرف:٣] أفيكون مجعولاً إلا مخلوقاً؟ فقال الإمام أحمد: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:٥] أي: خلقهم؟! وأنت تعلم أن من معاني كلمة جعل: صَيَّرَ.