[نماذج مشرفة لقضاة المسلمين]
إن دراسة التاريخ تعطينا نماذج مشرفة من قضاة المسلمين في ذكائهم وعدلهم وجرأتهم، فمن ذلك: القاضي إياس رحمه الله تعالى، الذي ناقشه رجلٌ مرةً في الخمر -النبيذ- هل هو حرام أم لا؟ فقال القاضي: إنه حرام.
فقال الرجل: أخبرني عن الماء هل هو حلال أم لا؟ قال: نعم.
قال: فالكسور -هذه المادة التي يصنع منها النبيذ- قال: حلال.
قال: فالتمر.
قال: حلال.
قال: فما باله إذا اجتمع وخلط صار حراماً؟ انظر الشبهة! فقال له إياس رحمه الله: أرأيت لو رميتك بهذه الحفنة من التراب أتوجعك.
قال: لا.
قال: فبهذه الحفنة من التبن أتوجعك؟ قال: لا.
قال: لو رميتك بهذه الغرفة من الماء أتوجعك؟ قال: لا.
قال: أرأيت لو خلطت هذا بهذا وهذا بهذا حتى صار طيناً ثم تركته حتى تحجر ثم رميتك به أيوجعك؟ قال: إي والله وتقتلني.
قال: فكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعت.
وبلغ من ذكائه وهو صغير أنه كان يهب إلى الكُتَّاب -مكان يتعلم فيه الصبيان القراءة والكتابة.
فكان فيه نصارى وكان -مع الأسف- الأستاذ نصراني- قال: فكان صبيان النصارى يستهزئون بالمسلمين، ويقولون: إن المسلمين يزعمون أن أهل الجنة طعامهم لا فضلة له -أي: أهل الجنة إذا أكلوا لا يخرج منهم مخلفات- فالنصارى يقولون: هذا مستحيل ولا يمكن، ويستهزئون بالمسلمين على هذا، وهذا ثابت عندنا أن أهل الجنة تخرج الفضلات منهم على هيئة رشح رائحة المسك ثم تضمر بطونهم، فيأكلون ويخرج رشح كالمسك، فتضمر بطونهم، فيأكلون ولا يمتخطون ولا يتبولون، هذه الفكرة صارت عند صبيان النصارى شيء يستهزئون به على المسلمين.
فقال القاضي إياس رحمه الله -وكان صغيراً- للمعلم النصراني: ألست تزعم أن في الطعام ما ينصرف في غذاء البدن قال: بلى.
قال: فهل هو بعيدٌ على الله أن يجعل طعام أهل الجنة كله غذاءً لأبدانهم ولا يخرج منه شيء، فقال المعلم: أنت شيطان.
أي: مثلما يقول المعلم: أنت ذكي أنت عفريت، فهذا أيضاً ما حصل منه.
كان القاضي إياس رحمه الله ذكياً جداً، وذكاؤه في القصص ليس هذا موضعه، ولكن المقصود أن نُري كيف كان قضاة وعلماء المسلمين يردون على أهل البدع ويفحمونهم، ولا نقول: إنهم كلهم على الحق، وكلهم لم يأخذوا الرشوة ولكن يوجد نماذج ممتازة جداً يجب أن تعرض، ولعل أن تكون هناك فرصة أخرى لنعرض تلك النماذج.