[قواعد المناظرة]
نشرع في ختام هذا الدرس بذكر قواعد المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن وآداب ذلك.
وأما بالنسبة للقواعد فهي كثيرة فمنها: أولاً: إذا كنت مدعياً فهات الدليل لأن الله قال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [النمل:٦٤].
ثانياً: أثبت صحة ما تنقل: لأن بعض الناس قد يأتون بأدلة لكنها غير صحيحة.
ثالثاً: لا تبتر الدليل وائت به كاملاً: هذه قواعد يلتزم بها كل الأطراف في المناقشة والمناظرة؛ لا يجوز أن تقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:٤] وتقف أو تقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:٤٣] وتقف، بل ائت بالدليل كاملاً، ولذلك غيلان الدمشقي الضال لما جاء عند عمر بن عبد العزيز يحتج عليه بآية: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣] في قضية القدر، قال له عمر بن عبد العزيز: اقرأ آخر السورة ففيها إثبات المشيئة للعبد مع مشيئة الرب، قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] إذن للعبد مشيئة: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الإنسان:٣٠ - ٣١].
رابعاً: الحق لا يعرف بالرجال: اعرف الحق تعرف أهله، بعض الناس يقولون: هذا الكلام صحيح، لأن فلاناً قاله، ودليلهم أنه قال.
خامساً: الحق واحدٌ لا يختلف: من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى الآن الحق في المسائل واحد لا يختلف إلى أن تقوم الساعة.
سادساً: وجوب عرض أقوال الناس على الشرع؛ هذا يقول وأنت تقول وأنا أقول، لكن في النهاية نعرف صحة الأقوال من عرضها على الشرع.
سابعاً: السكوت عما سكت الله عنه ورسوله؛ مثلما تقدم في قضية المحاجة في مسألة القرآن.
ثامناً: الباطل لا يرد بالباطل؛ القدرية قالوا: العبد يخلق فعل نفسه، فجاءت الجبرية وقالت لهم: العبد ليس له مشيئة أصلاً مجبور ضلال بضلال.
جاء أهل الرفض سبوا الصحابة وألهوا آل البيت، فجاء الناصبة وسبوا أهل البيت بالمقابل، فردوا بدعة ببدعة، كقول القائلين: سبوا أئمتهم كما سبوا أئمتكم، ويمكن أن تكون أئمتهم أئمة لنا أهل السنة، فلا يجوز رد البدعة بالبدعة ولا رد الباطل بالباطل.
تاسعاً: عدم العلم بالدليل لا يعني عدم وجود الدليل: فأثناء النقاش يأتي أحدهم ويقول: لا يوجد هذا الكلام، ولم أسمعه، فيقال له: لم تسمعه لكنه موجود فكونك لم تعرفه لا يعني أنه غير موجود.
عاشراً: الاستدلال على المسألة المختلف فيها إنما يكون بالدليل المتفق عليه: ولذلك لو بدأت مع يهودي أو مع نصراني أو مع ملحد أو مع مبتدع في نقاش فلابد أن تأتي بدليل متفق عليه أولاً، قل: أليس أنا وأنت نتفق على هذا الشيء، ثم تتوصل من هذا الاتفاق إلى إثبات الأشياء التي يختلف معك فيها.
الحادي عشر: الحجة الصحيحة لا يقدح فيها عجز صاحبها عن تقريرها: الحجة الصحيحة لا يقدح في صحتها أن صحابها عاجز عن التعبير، ولذلك بعض الناس يستغل أن صاحب الحق ما عنده لسان مضبوط، ويقول: أنت مهزوم وأنت ضعيف، مع أن هذا فقط عسرٌ في اللسان، وإلا فحجته صحيحة، فيجب أن يكون عند الإنسان تجرد وعدم اتباع للهوى.