قال الله عز وجل:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:٢٦٢] فهذا يبين القرض الحسن، وهو: أن تنفق أموالك في سبيل الله ثم لا تتبع ما أنفقت مناً ولا أذى، لأن عدم اتباعها بالمن والأذى يصيره قرضاً حسناً، والمن والأذى أنواع: النوع الأول: ما يكون بالقلب دون اللسان، يشعر الإنسان لما أعطى أنه منَّ على فلان لكنه ما جهر بذلك، صحيح أن هذا لا يبطل الصدقة لكنه لا يصيرها في المكان العالي والدرجة الرفيعة.
النوع الثاني: المن باللسان، فيعتدي على من أحسن إليه ويريه أنه قد صنع إليه معروفاً عظيماً وأنه طوقه منة في عنقه، فيقول له: أما أعطيتك كذا، أما تذكر كذا، أو أن يقول له: أعطيتك ولكن لا يوجد فائدة! ما رأيت منك شيئاً، أو أعطيتك فما شكرت، حتى أن بعض السلف قال:"إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه".
وكان من كلام بعض السلف:"إذا اصطنعتم صنيعة فانسوها".
إذا عملت معروفاً فانساه، "وإذا أسديت لكم صنيعة فلا تنسوها".
ولذلك أخبر الله سبحانه وتعالى أن من صفات القرض الحسن عدم المن لا بالقلب ولا باللسان.
وأما الأذى فإنه كثير أيضاً، والمن هو أذى فأكده، وهو نوع خاص من أنواع الأذى، ولا شك أنه إذا منّ عليه فإنه يؤذيه، قال الله:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ}[البقرة:٢٦٢] ثم: تقتضي التراخي، لم يقل: ولا يتبعون، أي: ليس عدم المن فقط عند الإعطاء؛ لكن لا تمن ولو بعد الصدقة لمدة طويلة، ولذلك قال:{ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ}[البقرة:٢٦٢] فالمن يحصل ولو بعد سنين من الصدقة؛ لأن بعض الناس عندما يعطي -مثلاً- لله ونفسه طيبة وقد يكون بعد موعظة، لكن بعد أسابيع أو أشهر أو سنين قد يأتيه الشيطان ويلعب في ذهنه أو قلبه، فيدفعه إلى أن يذكر الفقير أو الشخص الذي منَّ عليه، يقول: أما تذكر أني أعطيتك قبل سنوات كذا وكذا وكذا، أما تذكر أني أسديت لك كذا وكذا، ولذلك قال تعالى:{ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ}[البقرة:٢٦٢] أي: على التراخي ليس فقط عند الإعطاء وحتى بعده، وهذا من بلاغة القرآن ومن مجال التدبر فيه الذي أمرنا به.