للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مخالطة أهل الإيمانيات]

وكذلك من الأشياء المهمة في التربية الإيمانية الجماعية: مخالطة من تميز بالإيمانيات، ومخالطة القدوات المتصلة بالله عز وجل وزيارتهم، ومجالستهم للاستفادة منهم، وكان أحدهم يقول: كنت إذا أحسست قسوةً في قلبي، وانحداراً في إيماني، ذهبت إلى فلان أبيت عنده، لماذا يبيت عنده؟ لأنه سيرى منه كثرة ذكره لله، خشوعه عند قراءة القرآن، تبكيره للصلاة، قيامه لليل، فيتأثر بأحواله، ومخالطة القدوات أمرٌ مهم.

وكان السلف رحمهم الله يذهب بعضهم ويبيت عند بعض ليرقب بعضهم أحوال بعض في المبيت حتى يتعلم منه في الليل ماذا يفعل، كيف يقوم لله، وهذا الاختلاط بالقدوات مؤثر وموجود منذ القدم.

ومثالٌ على هذا يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: ولقيت جماعةً من العلماء يحفظون ويعرفون، لكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، أي: يدبر لها وبعد ذلك يأتي يغتاب، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ، لو سئل فإنه يجيب سريعاً، لماذا؟ يخاف الناس أن يقولوا عنه: إنه جاهل، فيجيب فوراً.

ثم يقول رحمه الله: "ولقيت عبد الوهاب الأنماطي، فكان على قانون السلف، لم يُسمع في مجلسه غيبة، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق: الجنة والنار، عذاب القبر، الموت؛ بكى واتصل بكاؤه، فكان وأنا صغير السن حينئذٍ يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد الأدب في نفسي" هذه التربية، يبني قواعد الأدب والإيمان في قلبه، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل.

وكذلك الاهتمام بإتاحة الأوقات في المناسبات والأنشطة الإسلامية مثل: رحلات المراكز والمدارس وغيرها، والرحلات العائلية، ورحلات الإجازات الموسمية مثلاً للقيام ببعض العبادات مثل: حِلَق الذكر وقراءة القرآن جماعية، أو فردية مثل: قيام الليل والتسبيح عُقَيب الصلوات، وأن يكون الحث على ذلك لا إلزاماً حتى لا يكون الأثر عكسياً على المأمور، ومن ذلك أيضاً: عدم شغل الوقت المناسب لعبادات معينة مثل: الأذكار التي في أدبار الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، والتبكير للصلاة بأعمال أخرى، أو مواعيد حتى لو كانت من أعمال البر.

وإنما يبقى وقت بعد الصلاة للأذكار، ويبقى التبكير للصلاة مطلوباً، وأذكار الصباح والمساء في وقتها لا تُشغل بأي شيء آخر حتى لو كان الأمر بر إلا للضرورة، أو لما ترجحت مصلحته، وإلا يبقى هذا الوقت وقت ذِكر، وكان ابن تيمية رحمه الله على كثرة مشاغله وجهاده وتعليمه يحافظ على الجلوس بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ويقول: هذا زادي، بعد ارتفاع الشمس، يصلي ركعتين ويقول: هذا زادي، وأنا بغير زاد كيف أعيش، وبين الإخوة تدارس سير الصالحين والعباد والزهاد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يتأثر الإنسان بهم.

وختاماً يا إخواني، فإن الدعاء لله عز وجل مسك الختام في الأسباب، والحديث الذي بدأنا به نرجع إليه مرة أخرى لنختم به هذه الجلسة: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب) فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.