وإن من أمثلة سوء الخاتمة التي ذكرت لنا في القرآن العظيم ما حصل عند هلاك الطاغية فرعون، لما قاده الله سبحانه وتعالى بقدرته مع جنوده الكفرة لاتباع موسى وقومه، فدخلوا وراءهم في البحر بعدما هاب فرعون الدخول وهم بالرجوع، ولكن هيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة، ولم يملك من نفسه إلا الدخول، فتجلد لأمرائه، وأظهر الشدة والجرأة، وقال: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، فلما توسطوا في البحر وتكاملوا فيه، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، فجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو على تلك الحال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠] فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، ولهذا قال الله:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:٩١] ولما شك بعض بني إسرائيل في موته، أمر الله البحر أن يلقيه جسداً سوياً بلا روح:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ}[يونس:٩٠] إذا نزل الموت، لا تفيد التوبة، إذا غرغر العبد أغلق باب التوبة:{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}[يونس:٩٠ - ٩٢] وجعل جبريل عليه السلام يدس من زبد البحر في فم فرعون مخافة أن تدركه رحمة الله تعالى، فلم يتمكن من الشهادة قبل نزول الموت، ولم يعرف التوحيد ويقر به، ويظهر ذلك عليه إلا بعد نزول الموت، فلم ينفعه ذلك.