من رفع المعنويات في القرآن: أنه كان يبشر بقرب النصر والفرج به إذا حصل، كان ذلك للمؤمنين المضطهدين في مكة تحت الحصار والجوع والقتل والتعذيب والتشويه الإعلامي؛ فكان يقال لهم:{الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:١ - ٥].
لما أصيب المسلمون بالإحباط في غزوة أحد عندما قتل منهم سبعون! مآسٍ حصلت، الدواب تحمل بالجثث منطلقة إلى المدينة، هذه تخبر بأنها قد أصيبت بأبيها وأخيها وزوجها، وهذه بابنها، وتلك بخالها وعمها، أيتام وأرامل، ألمٌ نفسي، وهمٌ عظيم أصاب المسلمين في أحد، ماذا سيقول العرب الذين ينظرون؟ ماذا يجري بينهم وبين كفار قريش؟ وسيقول العرب: هؤلاء هزموا، ودينهم لم ينصرهم، فماذا سيكون من التولي إذن، والقوة للكفار؟ ومع ذلك تأتي الآيات ترفع المعنويات وتحيي الأمل في النفوس، يذكرهم أولاً: بأن نصراً قريباً قد حصل: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:١٢٣] ويعدهم بنصرٍ ومدد فيقول: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ}[آل عمران:١٢٤]، بل هناك زيادة:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[آل عمران:١٢٥].
بعد الغزوة كان الصحابة يحتاجون أحوج ما كانوا إلى رفع المعنويات, بعد الذي لاقوه من الهزيمة والجراحات والقتل؛ فقال الله لهم مخففاً ومسلياً ورافعاً لنفوسهم:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ}[آل عمران:١٣٩] وإن هزمتم بالسلاح فأنتم الأعلون منهجاً وديناً أنتم الأعلون شرعةً وشريعةً أنتم الأعلون بما في نفوسكم من الإيمان بالله عز وجل الذي تضعون به جباهكم لرب العالمين ساجدين: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٣٩].
ويذكرهم بما لحق الكفار من المصائب ويقول لهم:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}[آل عمران:١٤٠] كما أصابكم ما أصابكم فقد أصاب الكفار أيضاً قتل وجراح، وهذه أشياء نشهدها حتى اليوم في حال المسلمين المستضعفين في فلسطين، بالرغم مما يصيبهم فإنه يصيب اليهود أيضاً قتل ودمار، يصيبهم أيضاً في اقتصادهم وأمنهم، وهكذا يداول الله الأيام بين الناس:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[آل عمران:١٤٠].