أيها الإخوة: هذا الزبد الذي يزول ويتفرق وتنسفه الرياح، تقدم ذكره في الآية على ذكر ما ينفع الناس، فإن الله قال:{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ}[الرعد:١٧]، ثم قال:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧] فقدم ذكر الزبد على ذكر ما ينفع الناس.
من أسباب وحكم هذا التقديم: أن الزبد هو الذي يظهر للناس؛ فأنت إذا نظرت إلى الوادي الممتلئ بالماء، أول ما تنظر إليه عينك إلى الزبد، وقد تغفو العين ولا ترى الماء المتجمع في الوادي.
أيها الإخوة: إن الباطل إذا علا في يوم من الأيام، فإن الناس أول ما ينظرون ويرون هو هذا الباطل، وقد يغفلون عن كون الماء النقي الصافي موجود تحته، فلا يرونه، ولكنه موجود، وقد يظنون بأن الماء غير موجود، كذلك يظنون بأن الحق قد مات، أو غاب، أو أنه غير موجود، وأن الباطل هو الذي استقر وعلا، وبقي، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، فإن من تحت هذا الزبد حقاً يتأجج، ينتظر الفرصة المواتية لكي يستعلي، وينتظر الأسباب التي يهيئها الله عز وجل لانقشاع الزبد الباطل؛ لكي يظهر الحق لامعاً نظيفاً على صفائه ونقائه الذي أراده الله.
وفقنا الله وإياكم لأن نكون من أهل الحق، الصابرين عليه، وألا يجعلنا من المغترين بالباطل وانتفاشه، أسأل الله لي ولكم التوفيق والعلم النافع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.