وهكذا لما حاصر المسلمون حصناً في إحدى غزواتهم فاستعصى على المسلمين، وكثر الأذى فيهم من رمي النصارى لهم، حتى قال قائلهم مسلمة بن عبد الملك: من يدخل النقب -وهو فتحة تلقى منها الفضلات والقاذورات- فإن كتبت له الشهادة فاز بالجنة، وإن كتبت له النجاة ذهب لباب الحصن ففتحه؟ فخرج رجل ملثم قال: أنا من سيدخل النقب، فدخل وكبر وقاتل، فسمع المسلمون صوته، فاقتحمه، فقاتل حتى وصل الباب ففتحه، وسمع المسلمون صوت التكبير فهجموا على الباب فدخلوا؛ ففتحوا الحصن؛ وانتهت المعركة على يد ذلك الرجل، ولكنه لم يعرف، فاشتهى مسلمة أن يعرفه ليكافئه، فنادى في جيش المسلمين بعد المعركة أين صاحب النقب؟ فلم يجبه أحد، فعاد الكرة فلم يجبه أحد، فقال في النهاية: إني أمرت حاجبي بإدخاله عليَّ حين يأتي، فعزمت عليه بما لي عليه من الحق -أي: الطاعة في الإمرة، حقي عليه الطاعة- فحلف عليه إلا أن يأتيه في أي وقت شاء من ليل أو نهار، فجاء رجل ذات ليلة إلى حاجب مسلمة، فقال: استأذن لي على الأمير، قال: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه، فلما صار بين يدي مسلمة قال: إن صاحب النقب يشترط عليكم ثلاثاً: ألا تبعثوا باسمه في صحيفةٍ إلى الخليفة، وألا تسألوه من هو، وألا تأمروا له بشيء، قال مسلمة: فذلك له، فقال الرجل باستحياء: أنا صاحب النقب، اتقِ الله -يا مسلمة - أحرجتني فأخرجتني، ثم انطلق مسرعاً فلم يدر من هو، فكان - مسلمة - لا يصلي بعدها صلاة إلا دعا فيها اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة.